سعيد بن كاتب الفرغاني
ظهر
هذا المهندس الرائع في عهد أحمد بن طولون التركي الأصل والذي تربي في بلاط
الخليفة في بغداد. أراد الاستقلال بالبلاد، فاهتم بتعيين المصريين في جمع
الضرائب عوض الدخلاء، وأتاح للأقباط فرصة ممارسة شعائرهم الجينية وبناء
الكنائس والأديرة، ومباشرة
أعمالهم التجارية والزراعية... وكان الوالي ميالًا لحياة البذخ... غير أنه
كان متسرعا في استخدام السيف فقتل في يوم واحد 18000 نسمة. لم يضع ضرائب
جديدة على الأقباط لكنه طالب البابا ميخائيل الثالث بـ20000 دينارًا، وإذ
لم يكن معه المال ألقاه في السجن... واضطر البابا إلى بيع قطعة أرض
للبطريركية.
بنى سعيد مقياس النيل بالروضة في أيام الخليفة العباسي المتوكل، ولما تولى أحمد بن طولون الولاية طلب منه إنشاء قناطر توصل مياه إلى مدينة "القطايع"
التي اختطها لنفسه ولحاشيته، وقد أعجب ابن طولون بهذا العمل، لكنه ألقى
بمهندسه في السجن ونسيه تماما، بعد فترة أراد ابن طولون أن ينشئ جامعا
فريدا يزينه بثلاثمائة عمود، وهذا يستوجب هدم عدد كبير من الكنائس لجلب
الأعمدة إذ سمع المهندس أرسل إلى ابن طولون يخبره أنه يستطيع عمل جامع فريد
يقوم على عمودين مع إبدال الأعمدة الأخرى بدعائم من الأجر لأنها تقاوم
الحريق، فاستدعى ابن طولون المهندس من السجن ووضع تحت تصرفه مئة ألف دينار.
لا يزال هذا المسجد "مسجد ابن طولون" يعتبر قطعة فنية رائعة. أعجب به ابن طولون فوزع الكثير من الهدايا والصدقات يوم افتتاحه ونال ابن كاتب الفرعاني 10000 دينار. لكنه عاد يسأله إنكار مسيحه. وإذ رفض كان نصيبه السيف.
يروى
لنا المسعودي، وهو مؤرخ عربي ولد ببغداد ومات سنة 956 أن ابن طولون سمع عن
فيلسوف قبطي من أعالي الصعيد بلغ من العمر 130 عامًا، برع في الفلك
والجغرافيا. استدعاه إلى مدينة "القطايع" وأكرمه، ثم سأله عن سر بلوغه هذا العمر، فأجاب "دربت
نفسي يا مولاي على الاعتدال في الملبس والمأكل والمشرب، وأغلب الظن أن هذا
هو السر". سأله عن منابع النيل فأجاب أنها حسب ظنه مستقرة على الجبال
الشامخة حيث توجد بحيرة واسعة وحيث يستوي الليل والنهار على مدار السنة،
أعجب به ابن طولون فوهبه عطايا جزيلة وصرفه بإكرام. وكانت إجابته عن ينابيع
النيل دقيقة عرفها الباحثون الأوروبيون بعد ذلك بتسعة قرون (1).
نترك الحديث عن القديس ساويرس بن المقفع من رجال القرن العاشر وبدء القرن الحادي عشر إلى المقال التالي: "العصر الفاطمي".
1- إيريس حبيب المصري قصة الكنيسة القبطية. ج 1، بند 586