«أتريد أن تبرأ»؟
شفاء مريض بركة بيت حسدا
تواصِل أناجيل آحاد الصوم الكبير دعوتها للتوبة. فبعد توبة الابن الضال (الأحد الثالث)؛ والسامرية (الأحد الرابع)؛ نلتقي اليوم بالمريض الذي أقعدته الخطية ثمانية وثلاثين عاماً - وهو مريض بِرْكة بيت حِسْدا(1) - حتى جاءه طبيب الأجساد والأرواح، فأنهضه من رقاده الطويل، وحثَّه أن لا يُخطئ فيما بعد لئلا يكون له أشرُّ.
+ الزمان هو ”عيد لليهود“؛ والمكان هو أورشليم، وبالتحديد بِرْكة «يُقال لها بالعبرانية (الأرامية) ”بيت حِسْدا“». وأعياد اليهود الكبيرة التي يُحتَفَل بها في أورشليم ثلاثة: الفصح، والخمسين، والمظال. ولو كان العيد هنا هو الفصح، لكان البشير ذَكَرَه باعتباره أهم الأعياد اليهودية. وأكثر الآباء، وبينهم القدِّيسان كيرلس الإسكندري ويوحنا ذهبي الفم، يُرجِّحون أنه كان عيد الخمسين(2).
أما عن بِرْكة بيت حِسْدا (أو بيت الرحمة، باعتبار مياهها الشافية)، فهي كانت تقع عند باب الضأن(3) (نح 3: 1)، وتتكون من قسمين، وحولهما خمسة أروقة يضطجع فيها طالبو الشفاء «من مرضى وعُمْي وعُرْج وعُسْم (مُصابين بالشلل)، يتوقَّعون تحريك الماء. لأن ملاكاً(4) كان ينزل أحياناً في البِرْكة ويُحرِّك الماء. فمَن نزل أولاً بعد تحريك الماء كان يبرأ» (يو 5: 4،3).
+ والماء هو العامل المشترك في إنجيل الأحد السابق وإنجيل اليوم وإنجيل الأحد التالي. وارتباط الماء بالروح والحياة والشفاء يُشيع في الكتاب كلمةً وأحداثاً: فمع بدء الخليقة كان «روح الله يرفُّ على وجه المياه» (تك 1: 2)؛ وفي سيناء نلتقي بالصخرة التي ضربها موسى بعصاه فتفجَّر منها الماء لحياة الشعب (خر 17: 6،5)، ويستعيد القديس بولس هذا الحدث فيقول: إنهم «كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح» (1كو 10: 4)؛ ونعمان السرياني رئيس جيش آرام يُشفَى من برصه بالاغتسال في الأردن سبع مرات كما قال له النبي أليشع، ويتحوَّل إلى عبادة الرب (2مل 5: 1-19)؛ والمسيح يدعو المرأة السامرية أن تشرب من الماء الحي الذي يُعطيه ليصير فيها ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية (يو 4: 10-14)، فتحوَّلت إلى الكرازة باسم المسيح؛ والمولود أعمى(5) يَطلي الربُّ عينيه بالطين، وإذ يغتسل في بِرْكة سلوام، يعود بصيراً ويستنير قلبه فيؤمن ويسجد؛ والرب يقول لنيقوديموس وللكل: «إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله» (يو 3: 5). وكما أنَّ الماء والروح هما عنصرا الولادة الجديدة في المعمودية، فإنَّ تحريك الماء في بِرْكة بيت حسدا كان رمزاً لفعل الروح القدس الذي يهب الحياة الجديدة (كو 2: 12؛ تي 3: 5).
+ «وكان هناك إنسانٌ به مرضٌ منذ ثمانٍ وثلاثين سنة» (يو 5: 5). هذا الإنسان هو حالة من الحالات المستعصية التي ظلَّت في انتظار الرب كل هذا الزمان. وهو لم يكن مرضاً عادياً، بل إصابة مباشرة للجهاز العصبي مزَّقت أوصال الرجل وأسقطته قعيداً غير قادر على الحركة لأربعة عقود. إنه يُمثِّل إسرائيل الذي ظل تائهاً في البرية ثماني وثلاثين سنة (تث 2: 14)، بل كل البشرية التي ظلَّت قبل مجيء المسيح ثمانية وثلاثين قرناً وقد شلَّتها الخطية، والناموس والأنبياء عاجزون عن إنقاذها حتى جاءها مخلِّص العالم.
+ «هذا رآه يسوع مُضطجعاً، وعَلِمً أن له زماناً كثيراً» (يو 5: 6). ها هي أيام الشقاء تبلغ نهايتها، فقد رآه مُحب البشر الذي جاء هو أيضاً للعيد يكرز ببشارة الملكوت وليجول يصنع خيراً (أع 10: 38). وها هو يقترب من المريض لكي يختم عليه سنوات مرضه. وكما يُلبِّي الرب نداء المحتاج بحسب وعده: «+دْعُني في يوم الضيق، أُنقذك فتُمجِّدني» (مز 50: 15)، «اسألوا تُعْطَوْا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يُفتح لكم» (مت 7: 7)؛ فهو أيضاً يأتي للمحتاج فاقد الهمة الذي لا يطلب أو الذي لا يعرف، ويسعى وراء الخروف الضال. ومكتوب عنه أيضاً قوله: «هأنذا واقفٌ على الباب وأقرع. إنْ سمع أحدٌ صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشَّى معه وهو معي» (رؤ 3: 20). فهو الذي اقترب من السامرية كمحتاج وبدأ الحديث معها وجدَّد حياتها، وهو الذي اقترب من المولود أعمى وجعله يُبصر ويؤمن، وهو الذي التقط مشاعر زكَّا ودعا نفسه إلى بيته فصار خلاص للكل، وهو الذي تحنَّن على الأرملة وأقام وحيدها من الموت. «الرب قريب لكل الذين يدعونه» (مز 145: 18)، هو مستعدٌّ أن يجيب قبلما تدعونه (إش 65: 24).
هو ربما يتأنَّى، ولكنه لا يتباطأ عن وعده (من الكاثوليكون: 2بط 3: 1-8). ولكل مَن هو في ضيقة: لا تكتفي أن ترثي لنفسك، وإنما انهض واطلب معونته. كان بولس مع الأسرى في مركب عتيق في رحلته إلى روما لمحاكمته، وهاج البحر وكادت المركب أن تغرق حتى ”انْتُزع أخيراً كل رجاء في نجاتهم“ (أع 27: 20)، ولكنهم لما ألقوا رجاءهم على الرب، يقول سفر أعمال الرسل: «سلَّمنا فصرنا نُحمَل» (من الإبركسيس: أع 26: 19-27: 8). لنتعلَّم أن نُسلِّم أنفسنا إلى يديه مطمئنين كما يُسلِّم الطفل قياده في يد أبيه الذي يثق في محبته وقدرته.
+ «فقال له: أتريد أن تبرأ؟» (يو 5: 6). السؤال مُدهش! فهل هناك احتمال أن تكون الإجابة بالنفي. ربما يكون الردُّ: ”أنا فاقد الأمل“! وربما يكون المريض قد تعوَّد على ما هو فيه ولا يطمح أو يفكِّر في تغييره. فالمرض الطويل قد يُحطِّم نفسية الإنسان ويُميت فيه الإرادة ويقوده إلى سجن اليأس.
ولكن الحياة مع الله لن تكون بغير الإرادة الحُرَّة التي تسمح بالإيمان. فالله لا يُقْسِر أحداً على الإيمان به. الله بالطبع «يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون» (1تي 2: 4). فإنْ أردنا الحياة، فالنتيجة مضمونة. يسوع المسيح هو رجاؤنا (1تي 1: 1)، وحياتنا (كو 3: 4)، وبغيره يُحاصرنا اليأس والموت. فلا نفقد رجاءنا مهما ضاقت بنا السُّبُل، فوعوده صادقة وأمينة.
تقدَّم من الرب والدٌ ومعه ابنه الذي كان الروح النجس يصرعه بقوة منذ صباه، «فقال له يسوع: إن كنتَ تستطيع أن تؤمن، كلُّ شيء مُستطاع للمؤمن. فللوقت صرخ أبو الولد بدموع: أُومِن يا سيد، فأَعِن عدم إيماني» (مت 7: 15؛ مر 9: 24،23؛ لو 9: 38). فالله مستعدٌّ وقادر أن يشعل فتيلة الإيمان المدخِّنة.
وفي مَثَل الابنين (مت 21: 28-31)، بيَّن الرب أن مَن يرفض أولاً ولكن يؤمن فيما بعد خيرٌ مِمَّن يُبدي استعداداً للتبعية في البداية ولكنه فيما بعد يتراجع ويمضي. فإرادة وإيمان الكلام مثل محبة الكلام واللسان التي لا تفيد شيئاً (1يو 3: 18). والكتاب يعرض لنا نماذج مِمَّن خذلتهم إرادتهم وفقدوا فرصة الحياة كالشاب الغني والتلميذ الخائن يهوذا وأكثر الكَتَبَة والفرِّيسيين. والمسيح في طريقه إلى الصليب، حزيناً على جماعة اليهود الذين رفضوا دعوته، نظر إلى أورشليم وبكى عليها فتنبَّأ عن مصيرها الأليم، ففي رفضها كان خرابها (مت 23: 38،37؛ لو 13: 35،34؛ 19: 41-44).
+ «يا سيد، ليس لي إنسانٌ يُلقيني في البِرْكة متى تحرَّك الماء. بل بينما أنا آتٍ، ينزل قدَّامي آخر» (يو 5: 7). يبدو أن الشلل لم يُقعد هذا المريض تماماً عن الحركة، بل ربما كان يستطيع أن يزحف ببطء متحاملاً على نفسه، ولكن هذا لم يكن يُسعفه للوصول إلى البِرْكة عند تحرُّك الماء. فهو كان في حاجة لمَن يحمله حملاً ويُلقي به سريعاً في الماء ساعة نزول الملاك. ربما كان هناك من الأقارب والأصدقاء مَن قدَّم له يد المساعدة في السنوات الأولى، ولكن توالي السنين حمل معه سأمهم وفقدان رجائهم، فلم يستطيعوا مواصلة هذه المهمة الثقيلة.
وفي كلمات المريض: «ليس لي إنسانٌ»، إدانة للأنانية والانحصار في الذات وعدم الاهتمام بالغير، إدانة للقسوة والجمود وعدم الرحمة، إدانة للأقوياء الذين يسحقون الضعفاء، وإدانة للظلم والمحاباة والتمييز (يع 2: 13،1؛ 5: 1-5). وهو يقولها باسم الملايين في كل زمان ومكان، الذين في ظروف الضعف والمرض وتقدُّم السن يفتقدون رفقة الأهل والأصدقاء. في الماضي عندما كانت العائلة الكبيرة تسكن بيتاً واحداً يضمُّ كل أجيالها، كان هذا يوفِّر المساعدة والمعونة لكبار السن وفاءً وردّاً للجميل. أما اليوم، وقد تباعدت المسافات بين الأقارب بتغيير الظروف الاجتماعية والاقتصادية، فقد زادت معاناة كبار السن بتحالُف الوحدة مع الشيخوخة والأمراض. وعند الكثيرين قصص مُحزنة وصادقة عن جفاء الأبناء، وتحوَّلت المسئولية عن المسنين في عالمنا إلى الحكومات والمؤسسات الاجتماعية والدينية.
قد تكون الوحدة مفيدة أحياناً للاختلاء والتأمُّل والصلاة والإبداع، ولكن الإنسان بطبعه كائن اجتماعي، والتعاون والتضافر يُطوِّر المجتمعات إلى الأفضل. والله عندما خلق حواء لآدم قال: «ليس جيداً أن يكون آدم وحده» (تك 2: 18). ووصية المحبة تعني ألاَّ ينطوي أحدٌ على ذاته، بل أن ينفتح على الآخرين بالعطاء والاهتمام واقتسام الأفراح والدموع. هناك كثيرون يحتاجون خدمتنا، فلنمدَّ لهم يد المساعدة. والقديس بولس في سجنه خفَّف عنه أصدقاؤه كثيراً بشهادته.
+ «قال له يسوع: قُمْ، احمِل سريرك وامشِ. فحالاً برئ الإنسان وحَمَلَ سريره ومَشى» (يو 5: 9،8). الرب يتحنَّن عليه ويرى اكتمال كأس عذابه حتى أنه لم يسأله إن كان يؤمن (كما فعل مع الأعميان – مت 9: 28؛ ومع المولود أعمى – يو 9: 35)، فيُقيمه من مذلَّته ويُعوِّضه عن غربته ووحدته السنين الطوال، ويُحرِّره من الحاجة إلى البِرْكة أو الناس.
بكلمة واحدة تشدَّدت السيقان الذابلة، وانتصب العود الذي هدَّه المرض، وعاد إلى الرجل شبابه وقوته وحَمَلَ فراشه الذي كان يحمله. وهو لم يُجادل أو يتساءل، وواضح أنه صدَّق كلام الرب وأطاع، وإلاَّ لَما شَرَعَ في القيام والنهوض وحَمْل فراشه. ها هي بذرة إيمان تقع في الأرض وتُنبت.
اجتاحه الفرح، وهو يقف على قدميه من جديد، فركض ولم ينتظر ليسأل الرب مَن هو، بل ونَسِيَ أن يشكر. لمَّا شفى المسيح البُرص العشرة، انطلقوا من فورهم إلى الكهنة، ولم يَعُد منهم إلاَّ واحد وكان سامرياً وخرَّ عند رجلَي الرب شاكراً. فقال الرب عاتباً: «أليس العشرة قد طَهَرُوا؟ فأين التسعة؟ ألم يوجد مَن يرجع ليُعطي مجداً لله غير هذا الغريب الجنس» (لو 17: 18). الله لا يحتاج شكرنا، ولكننا عندما نشكر نُعلن أننا أولاد الله الذين يُقدِّرون نعمته ويعطون المجد لاسمه.
+ «فقال اليهود للذي شُفِيَ: إنه سبتٌ! لا يحلُّ لك أن تحمل سريرك. أجابهم: إنَّ الذي أبرأني هو قال لي: احْمِلْ سريرك وامشِ» (يو 5: 11،10). بالفعل الحقد يعمي القلوب عن رؤية الحقيقة ويلجم اللسان عن الاعتراف بالحق. فالناموسيون المُكبَّلون بالحرف غفلوا عن قوة الله الشافية، وهي أسطع من الشمس، خاصة مع هذا القعيد المعروف الواقف أمامهم في ملء الصحة حاملاً سريره، وانحصروا في الحفاظ على السبت حتى من فعل الخير. والمريض السابق يُقرُّ بأنه أطاع ”الذي أبرأه“ الذي ”لم يكن يعرف مَن هو“ (يو 5: 13).
كان المكان مزدحماً فآثر الرب بعد المعجزة أن يعتزل، وربما لأنه يُدرك ردود أفعال ذوي القلوب العمياء. والمريض الذي شُفِيَ ذهب إلى الهيكل للشكر مما يُنبئ عن تقواه. والرب يذهب إليه هناك ليُكمل شفاءه روحياً بعد أن شفاه جسدياً، وها هو يُحذِّره من الارتداد: «ها أنت قد بَرئتَ، فلا تُخطئ أيضاً، لئلا يكون لك أشرُّ» (يو 5: 14)، مُبيِّناً أن الخطية هي سر الضعف الجسدي والتعاسة والهزائم، وفي النهاية الهلاك الأبدي. فالله «لا يُجرِّب أحداً، ولكن كل واحد يُجرَّب إذا انجذب وانخدع من شهوته» (يع 1: 14)، ولكنه قد يسمح بالتأديب لأحبائه من أجل رجوعهم: «إني كل مَن أُحبه أوبِّخه وأؤدِّبه. فكُن غيوراً وتُبْ» (رؤ 3: 19)، «نؤدَّب من الرب كي لا نُدان مع العالم» (1كو 11: 32).
والرجل يكشف عن إيمانه وتحوُّل حياته، ويمضي من فوره إلى اليهود ليُصحِّح موقفه ويُخبرهم «أنَّ يسوع هو الذي أبرأه» (يو 5: 15) دون أن يُبالي بما قد يُصيبه هو من جراء شهادته كمؤمن أمام أعداء الحق.
+ «لهذا كان اليهود يطردون يسوع، ويطلبون أن يقتلوه» (يو 5: 16). هكذا يختتم فصل الإنجيل. فبعد المعجزة وتمجيد الله، انزعج الشيطان وأثار أتباعه للتصدِّي، فهاجوا. وهذا هو نهج المتعصبين الذين يعميهم الحقد عن رؤية الحق. وقائمة الاتهام بدأت بنقض السبت (في نظرهم) وانتهت بالتجديف استناداً إلى ردِّ المسيح عليهم: «أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل» (يو 5: 17) والتي فهموا منها بوضوح أن في قوله: «إنَّ الله أبوه»، فهو يُعادِل نفسه بالله (يو 5: 18). فالله عندما استراح في اليوم السابع (تك 2: 2) لم يكفَّ بعد الخلق عن العمل ورعاية خليقته، وإلاَّ لتوقَّفت الحياة وحركة الكون؛ والابن المتجسِّد على الأرض يعمل كل أعمال الآب، وهو واهب الحياة، والذي سيدين الكل بالعدل في اليوم الأخير (يو 5: 19-22، 30،27).
+++
المسيح هو ملاك العهد الجديد الذي أتى للكل بالشفاء والحياة. وهو يجول بين البشر الذين شَلَّت الخطية إرادتهم ودمَّرت حياتهم وأقعدتهم أذلاَّء بغير رجاء، مُنادياً: «تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أُريحكم» (مت 11: 28)، وسائلاً كل واحد: «أتريد أن تبرأ»؟ فإذا صرخ أنه بلا حَول ولا قوة وليس له أحد يمدُّ له يد المساعدة، يقول له الرب: «لا تخف... أنا تُرْسٌ لك» (تك 15: 1)، «محبة أبدية أحببتك، من أجل ذلك أدمت لك الرحمة» (إر 31: 3). فإن آمن وقام وتبعه، ينتهي العجز: «يُعطي المُعيي قدرة، ولعديم القوة يُكثِّر شدة» (إش 40: 29). وفي رفقة النعمة تُشرق الحياة من جديد، وقانونها طاعة الكلمة والعبادة بالروح والتوبة الدائمة، وفي الذهن يرنُّ التحذير: «لا تُخطئ... لئلا يكون لك أشرُّ»!
(1) هو أيضاً إنجيل الأحد الثالث من شهر طوبة.
(2) يُحتَفَل بعيد الخمسين تذكاراً لاستلام موسى الناموس على جبل سيناء بعد الفصح بخمسين يوماً. وما يُرجِّح أنه هذا العيد هو إشارة الرب في حواره مع اليهود في ختام الأصحاح (يو 5: 45-47) إلى موسى الذي كتب عنه وهم لا يُصدِّقون. كما يرجِّح ذلك أيضاً التوافق مع =
= الأعياد المذكورة تالياً في إنجيل القديس يوحنا: عيد المظال (الأصحاح السابع)، وعيد التجديد (الأصحاح العاشر)، والفصح الأخير (الأصحاحان 12،11).
(3) باب الضأن هو أحد مداخل سور أورشليم من ناحية الشرق الذي يؤدِّي إلى الهيكل. وكانت تدخل منه الخراف المُعدَّة للذبح.
(4) القديس يوحنا يُشير في رؤياه أيضاً إلى «ملاك المياه» (رؤ 16: 5).
(5) إنجيل الأحد السادس (التناصير) من الصوم الكبير (يو 9).
شفاء مريض بركة بيت حسدا
تواصِل أناجيل آحاد الصوم الكبير دعوتها للتوبة. فبعد توبة الابن الضال (الأحد الثالث)؛ والسامرية (الأحد الرابع)؛ نلتقي اليوم بالمريض الذي أقعدته الخطية ثمانية وثلاثين عاماً - وهو مريض بِرْكة بيت حِسْدا(1) - حتى جاءه طبيب الأجساد والأرواح، فأنهضه من رقاده الطويل، وحثَّه أن لا يُخطئ فيما بعد لئلا يكون له أشرُّ.
+ الزمان هو ”عيد لليهود“؛ والمكان هو أورشليم، وبالتحديد بِرْكة «يُقال لها بالعبرانية (الأرامية) ”بيت حِسْدا“». وأعياد اليهود الكبيرة التي يُحتَفَل بها في أورشليم ثلاثة: الفصح، والخمسين، والمظال. ولو كان العيد هنا هو الفصح، لكان البشير ذَكَرَه باعتباره أهم الأعياد اليهودية. وأكثر الآباء، وبينهم القدِّيسان كيرلس الإسكندري ويوحنا ذهبي الفم، يُرجِّحون أنه كان عيد الخمسين(2).
أما عن بِرْكة بيت حِسْدا (أو بيت الرحمة، باعتبار مياهها الشافية)، فهي كانت تقع عند باب الضأن(3) (نح 3: 1)، وتتكون من قسمين، وحولهما خمسة أروقة يضطجع فيها طالبو الشفاء «من مرضى وعُمْي وعُرْج وعُسْم (مُصابين بالشلل)، يتوقَّعون تحريك الماء. لأن ملاكاً(4) كان ينزل أحياناً في البِرْكة ويُحرِّك الماء. فمَن نزل أولاً بعد تحريك الماء كان يبرأ» (يو 5: 4،3).
+ والماء هو العامل المشترك في إنجيل الأحد السابق وإنجيل اليوم وإنجيل الأحد التالي. وارتباط الماء بالروح والحياة والشفاء يُشيع في الكتاب كلمةً وأحداثاً: فمع بدء الخليقة كان «روح الله يرفُّ على وجه المياه» (تك 1: 2)؛ وفي سيناء نلتقي بالصخرة التي ضربها موسى بعصاه فتفجَّر منها الماء لحياة الشعب (خر 17: 6،5)، ويستعيد القديس بولس هذا الحدث فيقول: إنهم «كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح» (1كو 10: 4)؛ ونعمان السرياني رئيس جيش آرام يُشفَى من برصه بالاغتسال في الأردن سبع مرات كما قال له النبي أليشع، ويتحوَّل إلى عبادة الرب (2مل 5: 1-19)؛ والمسيح يدعو المرأة السامرية أن تشرب من الماء الحي الذي يُعطيه ليصير فيها ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية (يو 4: 10-14)، فتحوَّلت إلى الكرازة باسم المسيح؛ والمولود أعمى(5) يَطلي الربُّ عينيه بالطين، وإذ يغتسل في بِرْكة سلوام، يعود بصيراً ويستنير قلبه فيؤمن ويسجد؛ والرب يقول لنيقوديموس وللكل: «إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله» (يو 3: 5). وكما أنَّ الماء والروح هما عنصرا الولادة الجديدة في المعمودية، فإنَّ تحريك الماء في بِرْكة بيت حسدا كان رمزاً لفعل الروح القدس الذي يهب الحياة الجديدة (كو 2: 12؛ تي 3: 5).
+ «وكان هناك إنسانٌ به مرضٌ منذ ثمانٍ وثلاثين سنة» (يو 5: 5). هذا الإنسان هو حالة من الحالات المستعصية التي ظلَّت في انتظار الرب كل هذا الزمان. وهو لم يكن مرضاً عادياً، بل إصابة مباشرة للجهاز العصبي مزَّقت أوصال الرجل وأسقطته قعيداً غير قادر على الحركة لأربعة عقود. إنه يُمثِّل إسرائيل الذي ظل تائهاً في البرية ثماني وثلاثين سنة (تث 2: 14)، بل كل البشرية التي ظلَّت قبل مجيء المسيح ثمانية وثلاثين قرناً وقد شلَّتها الخطية، والناموس والأنبياء عاجزون عن إنقاذها حتى جاءها مخلِّص العالم.
+ «هذا رآه يسوع مُضطجعاً، وعَلِمً أن له زماناً كثيراً» (يو 5: 6). ها هي أيام الشقاء تبلغ نهايتها، فقد رآه مُحب البشر الذي جاء هو أيضاً للعيد يكرز ببشارة الملكوت وليجول يصنع خيراً (أع 10: 38). وها هو يقترب من المريض لكي يختم عليه سنوات مرضه. وكما يُلبِّي الرب نداء المحتاج بحسب وعده: «+دْعُني في يوم الضيق، أُنقذك فتُمجِّدني» (مز 50: 15)، «اسألوا تُعْطَوْا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يُفتح لكم» (مت 7: 7)؛ فهو أيضاً يأتي للمحتاج فاقد الهمة الذي لا يطلب أو الذي لا يعرف، ويسعى وراء الخروف الضال. ومكتوب عنه أيضاً قوله: «هأنذا واقفٌ على الباب وأقرع. إنْ سمع أحدٌ صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشَّى معه وهو معي» (رؤ 3: 20). فهو الذي اقترب من السامرية كمحتاج وبدأ الحديث معها وجدَّد حياتها، وهو الذي اقترب من المولود أعمى وجعله يُبصر ويؤمن، وهو الذي التقط مشاعر زكَّا ودعا نفسه إلى بيته فصار خلاص للكل، وهو الذي تحنَّن على الأرملة وأقام وحيدها من الموت. «الرب قريب لكل الذين يدعونه» (مز 145: 18)، هو مستعدٌّ أن يجيب قبلما تدعونه (إش 65: 24).
هو ربما يتأنَّى، ولكنه لا يتباطأ عن وعده (من الكاثوليكون: 2بط 3: 1-8). ولكل مَن هو في ضيقة: لا تكتفي أن ترثي لنفسك، وإنما انهض واطلب معونته. كان بولس مع الأسرى في مركب عتيق في رحلته إلى روما لمحاكمته، وهاج البحر وكادت المركب أن تغرق حتى ”انْتُزع أخيراً كل رجاء في نجاتهم“ (أع 27: 20)، ولكنهم لما ألقوا رجاءهم على الرب، يقول سفر أعمال الرسل: «سلَّمنا فصرنا نُحمَل» (من الإبركسيس: أع 26: 19-27: 8). لنتعلَّم أن نُسلِّم أنفسنا إلى يديه مطمئنين كما يُسلِّم الطفل قياده في يد أبيه الذي يثق في محبته وقدرته.
+ «فقال له: أتريد أن تبرأ؟» (يو 5: 6). السؤال مُدهش! فهل هناك احتمال أن تكون الإجابة بالنفي. ربما يكون الردُّ: ”أنا فاقد الأمل“! وربما يكون المريض قد تعوَّد على ما هو فيه ولا يطمح أو يفكِّر في تغييره. فالمرض الطويل قد يُحطِّم نفسية الإنسان ويُميت فيه الإرادة ويقوده إلى سجن اليأس.
ولكن الحياة مع الله لن تكون بغير الإرادة الحُرَّة التي تسمح بالإيمان. فالله لا يُقْسِر أحداً على الإيمان به. الله بالطبع «يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون» (1تي 2: 4). فإنْ أردنا الحياة، فالنتيجة مضمونة. يسوع المسيح هو رجاؤنا (1تي 1: 1)، وحياتنا (كو 3: 4)، وبغيره يُحاصرنا اليأس والموت. فلا نفقد رجاءنا مهما ضاقت بنا السُّبُل، فوعوده صادقة وأمينة.
تقدَّم من الرب والدٌ ومعه ابنه الذي كان الروح النجس يصرعه بقوة منذ صباه، «فقال له يسوع: إن كنتَ تستطيع أن تؤمن، كلُّ شيء مُستطاع للمؤمن. فللوقت صرخ أبو الولد بدموع: أُومِن يا سيد، فأَعِن عدم إيماني» (مت 7: 15؛ مر 9: 24،23؛ لو 9: 38). فالله مستعدٌّ وقادر أن يشعل فتيلة الإيمان المدخِّنة.
وفي مَثَل الابنين (مت 21: 28-31)، بيَّن الرب أن مَن يرفض أولاً ولكن يؤمن فيما بعد خيرٌ مِمَّن يُبدي استعداداً للتبعية في البداية ولكنه فيما بعد يتراجع ويمضي. فإرادة وإيمان الكلام مثل محبة الكلام واللسان التي لا تفيد شيئاً (1يو 3: 18). والكتاب يعرض لنا نماذج مِمَّن خذلتهم إرادتهم وفقدوا فرصة الحياة كالشاب الغني والتلميذ الخائن يهوذا وأكثر الكَتَبَة والفرِّيسيين. والمسيح في طريقه إلى الصليب، حزيناً على جماعة اليهود الذين رفضوا دعوته، نظر إلى أورشليم وبكى عليها فتنبَّأ عن مصيرها الأليم، ففي رفضها كان خرابها (مت 23: 38،37؛ لو 13: 35،34؛ 19: 41-44).
+ «يا سيد، ليس لي إنسانٌ يُلقيني في البِرْكة متى تحرَّك الماء. بل بينما أنا آتٍ، ينزل قدَّامي آخر» (يو 5: 7). يبدو أن الشلل لم يُقعد هذا المريض تماماً عن الحركة، بل ربما كان يستطيع أن يزحف ببطء متحاملاً على نفسه، ولكن هذا لم يكن يُسعفه للوصول إلى البِرْكة عند تحرُّك الماء. فهو كان في حاجة لمَن يحمله حملاً ويُلقي به سريعاً في الماء ساعة نزول الملاك. ربما كان هناك من الأقارب والأصدقاء مَن قدَّم له يد المساعدة في السنوات الأولى، ولكن توالي السنين حمل معه سأمهم وفقدان رجائهم، فلم يستطيعوا مواصلة هذه المهمة الثقيلة.
وفي كلمات المريض: «ليس لي إنسانٌ»، إدانة للأنانية والانحصار في الذات وعدم الاهتمام بالغير، إدانة للقسوة والجمود وعدم الرحمة، إدانة للأقوياء الذين يسحقون الضعفاء، وإدانة للظلم والمحاباة والتمييز (يع 2: 13،1؛ 5: 1-5). وهو يقولها باسم الملايين في كل زمان ومكان، الذين في ظروف الضعف والمرض وتقدُّم السن يفتقدون رفقة الأهل والأصدقاء. في الماضي عندما كانت العائلة الكبيرة تسكن بيتاً واحداً يضمُّ كل أجيالها، كان هذا يوفِّر المساعدة والمعونة لكبار السن وفاءً وردّاً للجميل. أما اليوم، وقد تباعدت المسافات بين الأقارب بتغيير الظروف الاجتماعية والاقتصادية، فقد زادت معاناة كبار السن بتحالُف الوحدة مع الشيخوخة والأمراض. وعند الكثيرين قصص مُحزنة وصادقة عن جفاء الأبناء، وتحوَّلت المسئولية عن المسنين في عالمنا إلى الحكومات والمؤسسات الاجتماعية والدينية.
قد تكون الوحدة مفيدة أحياناً للاختلاء والتأمُّل والصلاة والإبداع، ولكن الإنسان بطبعه كائن اجتماعي، والتعاون والتضافر يُطوِّر المجتمعات إلى الأفضل. والله عندما خلق حواء لآدم قال: «ليس جيداً أن يكون آدم وحده» (تك 2: 18). ووصية المحبة تعني ألاَّ ينطوي أحدٌ على ذاته، بل أن ينفتح على الآخرين بالعطاء والاهتمام واقتسام الأفراح والدموع. هناك كثيرون يحتاجون خدمتنا، فلنمدَّ لهم يد المساعدة. والقديس بولس في سجنه خفَّف عنه أصدقاؤه كثيراً بشهادته.
+ «قال له يسوع: قُمْ، احمِل سريرك وامشِ. فحالاً برئ الإنسان وحَمَلَ سريره ومَشى» (يو 5: 9،8). الرب يتحنَّن عليه ويرى اكتمال كأس عذابه حتى أنه لم يسأله إن كان يؤمن (كما فعل مع الأعميان – مت 9: 28؛ ومع المولود أعمى – يو 9: 35)، فيُقيمه من مذلَّته ويُعوِّضه عن غربته ووحدته السنين الطوال، ويُحرِّره من الحاجة إلى البِرْكة أو الناس.
بكلمة واحدة تشدَّدت السيقان الذابلة، وانتصب العود الذي هدَّه المرض، وعاد إلى الرجل شبابه وقوته وحَمَلَ فراشه الذي كان يحمله. وهو لم يُجادل أو يتساءل، وواضح أنه صدَّق كلام الرب وأطاع، وإلاَّ لَما شَرَعَ في القيام والنهوض وحَمْل فراشه. ها هي بذرة إيمان تقع في الأرض وتُنبت.
اجتاحه الفرح، وهو يقف على قدميه من جديد، فركض ولم ينتظر ليسأل الرب مَن هو، بل ونَسِيَ أن يشكر. لمَّا شفى المسيح البُرص العشرة، انطلقوا من فورهم إلى الكهنة، ولم يَعُد منهم إلاَّ واحد وكان سامرياً وخرَّ عند رجلَي الرب شاكراً. فقال الرب عاتباً: «أليس العشرة قد طَهَرُوا؟ فأين التسعة؟ ألم يوجد مَن يرجع ليُعطي مجداً لله غير هذا الغريب الجنس» (لو 17: 18). الله لا يحتاج شكرنا، ولكننا عندما نشكر نُعلن أننا أولاد الله الذين يُقدِّرون نعمته ويعطون المجد لاسمه.
+ «فقال اليهود للذي شُفِيَ: إنه سبتٌ! لا يحلُّ لك أن تحمل سريرك. أجابهم: إنَّ الذي أبرأني هو قال لي: احْمِلْ سريرك وامشِ» (يو 5: 11،10). بالفعل الحقد يعمي القلوب عن رؤية الحقيقة ويلجم اللسان عن الاعتراف بالحق. فالناموسيون المُكبَّلون بالحرف غفلوا عن قوة الله الشافية، وهي أسطع من الشمس، خاصة مع هذا القعيد المعروف الواقف أمامهم في ملء الصحة حاملاً سريره، وانحصروا في الحفاظ على السبت حتى من فعل الخير. والمريض السابق يُقرُّ بأنه أطاع ”الذي أبرأه“ الذي ”لم يكن يعرف مَن هو“ (يو 5: 13).
كان المكان مزدحماً فآثر الرب بعد المعجزة أن يعتزل، وربما لأنه يُدرك ردود أفعال ذوي القلوب العمياء. والمريض الذي شُفِيَ ذهب إلى الهيكل للشكر مما يُنبئ عن تقواه. والرب يذهب إليه هناك ليُكمل شفاءه روحياً بعد أن شفاه جسدياً، وها هو يُحذِّره من الارتداد: «ها أنت قد بَرئتَ، فلا تُخطئ أيضاً، لئلا يكون لك أشرُّ» (يو 5: 14)، مُبيِّناً أن الخطية هي سر الضعف الجسدي والتعاسة والهزائم، وفي النهاية الهلاك الأبدي. فالله «لا يُجرِّب أحداً، ولكن كل واحد يُجرَّب إذا انجذب وانخدع من شهوته» (يع 1: 14)، ولكنه قد يسمح بالتأديب لأحبائه من أجل رجوعهم: «إني كل مَن أُحبه أوبِّخه وأؤدِّبه. فكُن غيوراً وتُبْ» (رؤ 3: 19)، «نؤدَّب من الرب كي لا نُدان مع العالم» (1كو 11: 32).
والرجل يكشف عن إيمانه وتحوُّل حياته، ويمضي من فوره إلى اليهود ليُصحِّح موقفه ويُخبرهم «أنَّ يسوع هو الذي أبرأه» (يو 5: 15) دون أن يُبالي بما قد يُصيبه هو من جراء شهادته كمؤمن أمام أعداء الحق.
+ «لهذا كان اليهود يطردون يسوع، ويطلبون أن يقتلوه» (يو 5: 16). هكذا يختتم فصل الإنجيل. فبعد المعجزة وتمجيد الله، انزعج الشيطان وأثار أتباعه للتصدِّي، فهاجوا. وهذا هو نهج المتعصبين الذين يعميهم الحقد عن رؤية الحق. وقائمة الاتهام بدأت بنقض السبت (في نظرهم) وانتهت بالتجديف استناداً إلى ردِّ المسيح عليهم: «أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل» (يو 5: 17) والتي فهموا منها بوضوح أن في قوله: «إنَّ الله أبوه»، فهو يُعادِل نفسه بالله (يو 5: 18). فالله عندما استراح في اليوم السابع (تك 2: 2) لم يكفَّ بعد الخلق عن العمل ورعاية خليقته، وإلاَّ لتوقَّفت الحياة وحركة الكون؛ والابن المتجسِّد على الأرض يعمل كل أعمال الآب، وهو واهب الحياة، والذي سيدين الكل بالعدل في اليوم الأخير (يو 5: 19-22، 30،27).
+++
المسيح هو ملاك العهد الجديد الذي أتى للكل بالشفاء والحياة. وهو يجول بين البشر الذين شَلَّت الخطية إرادتهم ودمَّرت حياتهم وأقعدتهم أذلاَّء بغير رجاء، مُنادياً: «تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أُريحكم» (مت 11: 28)، وسائلاً كل واحد: «أتريد أن تبرأ»؟ فإذا صرخ أنه بلا حَول ولا قوة وليس له أحد يمدُّ له يد المساعدة، يقول له الرب: «لا تخف... أنا تُرْسٌ لك» (تك 15: 1)، «محبة أبدية أحببتك، من أجل ذلك أدمت لك الرحمة» (إر 31: 3). فإن آمن وقام وتبعه، ينتهي العجز: «يُعطي المُعيي قدرة، ولعديم القوة يُكثِّر شدة» (إش 40: 29). وفي رفقة النعمة تُشرق الحياة من جديد، وقانونها طاعة الكلمة والعبادة بالروح والتوبة الدائمة، وفي الذهن يرنُّ التحذير: «لا تُخطئ... لئلا يكون لك أشرُّ»!
(1) هو أيضاً إنجيل الأحد الثالث من شهر طوبة.
(2) يُحتَفَل بعيد الخمسين تذكاراً لاستلام موسى الناموس على جبل سيناء بعد الفصح بخمسين يوماً. وما يُرجِّح أنه هذا العيد هو إشارة الرب في حواره مع اليهود في ختام الأصحاح (يو 5: 45-47) إلى موسى الذي كتب عنه وهم لا يُصدِّقون. كما يرجِّح ذلك أيضاً التوافق مع =
= الأعياد المذكورة تالياً في إنجيل القديس يوحنا: عيد المظال (الأصحاح السابع)، وعيد التجديد (الأصحاح العاشر)، والفصح الأخير (الأصحاحان 12،11).
(3) باب الضأن هو أحد مداخل سور أورشليم من ناحية الشرق الذي يؤدِّي إلى الهيكل. وكانت تدخل منه الخراف المُعدَّة للذبح.
(4) القديس يوحنا يُشير في رؤياه أيضاً إلى «ملاك المياه» (رؤ 16: 5).
(5) إنجيل الأحد السادس (التناصير) من الصوم الكبير (يو 9).
0 التعليقات:
إرسال تعليق
سلام ونعمه