مقدمة: أثر قوانين القديس باسيليوس الكبير على قوانين المجامع المسكونية والمحلية الشريف وعلى حياة الرهبان
تحديد "القانون الكنسي": لا بد من تحديد عبارة " القانون الكنسي " لنعرف
ما إذا كانت له منزلة في " تدبير الروح " في زمن الكنيسة . ابتغاء ذلك يجب
أن نتبع مدلول القانون هذا لغة واصطلاحا .
لغةً: يقول يوحنا زوناراس في شرحه رسالة القديس
اثناسيوس الكبير الرعوية "حول kanon – قانون تدل على قطعة خشبية يستخدمها
الصنّاع في تقويم الخشب أو الحجر، إذ يقومون بوضع هذا " القانون " على
قطعة الخشب أو الحجر وبه يقوّمون ما تحدب منها أو تقعّر أو تعوّج، بذلك
تنتظم القطعة في شكلها . هكذا انحدر مفهوم كلمة kanon – قانون في
اليونانية – فعنت مقياسا . هذه الكلمة اعتمدت في لغة القانون الكنسي لتدل
على كل مقياس وضعته السلطات الكنسية المختصة من أجل تنظيم حياة الكنيسة
داخلية كانت أم خارجية .
إصطلاحا: أما مدلولها الاصطلاحي في المسيحية فنراه عند بولس الرسول إذ
يتكلم عن قاعدة السلوك: " كل الذين يسلكون بحسب هذا القانون عليهم سلام
ورحمة " ( غلاطية 6: 16 ) . وأطلق القديس إيريناوس أسقف ليون عبارة " قانون
الحق " على دستور الإيمان في المعمودية . ويقال قانون الإيمان . وإقليمس
الاسكندري يستعمل عبارة " قانون الكنيسة " ليشير إلى التوافق بين العهدين
القديم والجديد . ويدل " القانون الافخارستي " على مجموعة القواعد التي
تسوس إقامة الذبيحة الإلهية . والقانون الكتابي هو لائحة الكتب المقدسة من
العهدين القديم والجديد وان إجماع الكنيسة بإرشاد الروح دلّ على هذه
المجموعة .
والمسلك الذي يتبعه الاكليروس والرهبان هو قانونهم ( إيرونيموس المغبوط .
الرسالة 15، 2 . القديس كاسيانوس: النظم 2، فصل 2، 1 ) ويقال عندنا " مرتل
قانوني " ( مجمع اللاذقية 15) .
واستعمل المجمع النيقاوي اللفظة للدلالة على الأعراف السابقة له
واعتبرها تراثا ( قوانين المجمع الأول 2 ،5 ،6 ، 9 ، 1. ، 15 ، 16 ، 18 )
وجاء المجمع الثاني يطلق اللفظة على ما سنّه المجمع الأول حتى صارت الكلمة
تدّل على كل ما سنّته المجامع المسكونية والمكانية القديمة والذي تتقيد
به الكنيسة الجامعة .
فلكي يكون المقياس الصادر عن السلطة الكنسية المختصة قانونا، وبالتالي
إلزامية في الكنيسة الجامعة، يجب أن يحمل مظهرا عاما وكاملا معبرا عن حقيقة
ما تكمن قاعدتها في الأسفار المقدسة أو التقليد الشريف . هذه الحقيقة يجب
أن تكون موضوعا يهم الكنيسة الجامعة . وفي غياب أحد هذين المظهرين لا
يعتبر المقياس قانونا .
لذا ظهرت مقاييس وضعتها المجامع المكانية والمسكونية ومن ثم ظهرت أيضا
مقاييس وضعها الآباء القديسين . وهذه المقاييس تشكل مضمون المجموعات
الكنسية الجامعة، تدهى بالمعنى الحرفي للكلمة قوانين .
إن القوانين إلزامية لجميع أعضاء الكنيسة . وفكرة الإلزام هذه أوضحها نص
القانون الثاني من مجمع ترولو( الخامس – السادس ) والقانون الأول من
المجمع المسكوني السابع .
إلزامية القوانين غير مشروطة بمشرّعها، بل بقبول الكنيسة الجامعة لها
وتثبيتها . فكل قانون قبل في هذه القوانين يحمل إلزامية بغضّ النظر أن كان
قد صدر عن مجمع مسكوني أو مكاني أو عن أحد الآباء القديسين .
المصدر الأساسي والأول الذي تقوم عليه كل هذه القوانين يكمن في الأسفار
المقدسة والتقليد الشريف . فعندما أسس الرب يسوع كنيسته لم يترك لها أية
مجموعة تشريعية تنظّم بموجبها حياتها، بل منحها بتعاليمه الأسس التي
سيتعمدها الروح القدس في متابعة قيادته لها.
إن أول مفسّري الأسفار المقدسة والتقليد الشريف في الكنيسة هم الآباء
القديسون الذين اجتمعوا في مجامع مكانية كانت أم مسكونية . مثل هذه المجامع
كانت تحمل أهمية مكانية تهم كنيسة أو أخرى . ولكن هناك قرارات وقوانين
مجامع مميّزة تتعلق بالكنيسة الجامعة إيمانيا وسلوكيا وهي المجامع
المسكونية إضافة إلى عشرة مجامع مكانية تحمل قراراتها وقوانينها الصفة
الإلزامية في الكنيسة الجامعة .