شفاء مخلع بيت حسدا - للقديس كيرلس أسقف أورشليم


شفاء مخلع بيت حسدا

للقديس كيرلس أسقف أورشليم
(القرن الرابع)


حيثما يظهر يسوع، هناك يكون أيضاً الخلاص. إذا رأى عشاراً جالساً عند مكان الجباية يجعله رسولاً ومبشراً، إذا كان مدفوناً بين الموتى يقيمه، يعطي البصر للعميان والسمع للصم. عندما يمشي حول البركة، لا يفعل ذلك لكي يُعاين البنايات بل لكي يشفي المرضى.

كان في أورشليم عند باب الضأن بركة لها خمسة أروقة، أربعة أروقة تُحيط بها، وواحدة في الوسط، حيث كان يضطجع حشد كبير من المرضى. كان هناك شك وعدم إيمان بين اليهود. أما طبيب النفوس والأجساد فكان يمنح الشفاء بترتيب صحيح، مُتجهاً أولاً للرجل المريض منذ فترة طويلة جداً، حتى يختبر العتق السريع من آلامه، إذ كان مطروحاً هناك ليس لمدة يوم أو يومين، أو حتى شهر أو سنه، بل لمدة ثمانية وثلاثين سنة. وبكونه صار معروفاً جداً للمشاهين من جراء مرضه الطويل، كان قادراً أن يظهر قوة الطبيب الشافي، إذ كان يعرفه كل أحد بسبب طول زمن أصابته بالشلل. وبالرغم من أن الطبيب الأعلى كان يُظهر قدرته، إلا أنه في المقابل كان يُستخف بعمله من قبل أولئك الذين يتلقونه بمحمل سيئ.


بينما كان يمشي حول البركة، رآه. لم يعلم عنه بطرحه أسئلة بل بواسطة قدرته الإلهية. لقد رأى - بدون سؤال - كم من الوقت كان هذا المريض مطروحاً هناك. لقد أعلمته عيناه ما يعرفه مسبقاً قبل أن يراه. لأنه إذا كان فيما يتعلق بما هو داخل القلب، "لم يكن محتاجاً أن يشهد أحد عن الإنسان لأنه علم ما كان في الإنسان" (يو 2: 25)، فكم بالأكثر معرفته صحيحة أيضاً فيما يتعلق بالأمراض الجسدية.

لقد رأى إنساناً مطروحأً تحت ثقل مرض عضال، إذ أنه كان يحمل أحمال ثقيلة من الذنوب، والمعاناة التي سبَّبها المرض طال مداها. سأله الرب يسوع ما كان يشتاق لسماعه: "أتريد أن تبرأ؟". هذا كل ما قاله الرب، وتوقف في منتصف السؤال. إذ أن السؤال كان له معنيان: المرض الذي يخص النفس بالأضافة للمرض الذي يخص الجسد، كما يظهر من ملاحظة المسيح اللاحقة: "ها أنت قد برأت. فلا تخطئ أيضاً لئلا يكون لك أشر". لهذا سأله: "هل تريد أن تبرأ؟". لنلاحظ مهارة الشافي العظيمة، بجعله العلاج يعتمد على الإرادة والرغبة. سأله "هل تريد" لكون الخلاص يأتي من الإيمان، حتى ما تُمهِّد الرغبة الطريق أمام المعجزة. لم يتكلم أحد بهذه الطريقة سوى المسيح، ولا حتى أفضل الأطباء الأرضيين. فالأطباء الذين يعالجون الأمراض الجسدية لا يمكنهم سؤال مرضاهم هكذا، أما يسوع فمع ذلك يعطي حتى الرغبة، فهو يقبل الإيمان ويمنح الإحسان بدون أجر.
هكذا أفتقد السيد المسيح ذلك المريض بلا دعوة مسبقة، الطبيب زار المريض. يجب أن لا تدهشنا زيارة الرب للمريض المضطجع عند البركة، فهو قد تنازل أيضاً وجاء إلينا من السماء بلا دعوة. سأله الرب: "هل تريد أن تبرأ؟". بهذا السؤال أيقظة وأثاره ليستفهم بدوره. هذه الزيارة كانت هدية عظيمة وجليلة، لم يكن في مقدرته دفع الأجر، فكان له الرب طبيباً متطوعاً. أجابه: "نعم يا سيد، آلامي المطولة جعلتني مشتاقاً جداً للصحة، أشتاق إليها، لكن ليس لي إنسان".
لا تكتئب يا صديقي لكونك ليس لك إنسان. إذ لك الله واقفاً بجانبك، إنساناً وإلهاً في نفس الوقت. يجب الأقرار بهذه الحقيقة، إذ أن الاعتراف بناسوته بدون الإعتراف بلاهوته هو عديم الفائدة، بل يجلب لعنة، فملعون الرجل الذي يتكل على إنسان (إر 17). وإن وضعنا رجاؤنا حتى في يسوع كإنسان بدون الاعتراف بلاهوته نجلب لأنفسنا اللعنة. لكننا نعترف بحقيقة لاهوته وناسوته، مولود من الآب حقاً، ومولود كإنسان حقاً - وليس مجرد ظهور - ونمجده ونتطلع للخلاص الحقيقي.
"أريد الشفاء، لكن ليس لي إنسان". ألا ترى أنه قد أعطاك معجزة عند النقطة ذاتها التي أنعدم فيها العلاج؟ إذ أن أغلب المرضى عندهم بيوت وعلاقات وربما أقرباء أيضاً، أما هذا المريض فكان يعاني من الفقر الكامل والعوز الشديد، وعندما أشتد الأمر جداً حتى لم يعد له أي إنسان قط ليساعده، وتُركَّ كلياً لإمكانيته الخاصة، أتى ابن الله الوحيد لمساعدته.
"هل أتريد أن تبرأ؟"، "نعم يا سيد، لكن ليس لي إنسان يُلقيني في البركة متى تحرَّك الماء". بل لك الينبوع، "لأن عندك ينبوع الحياة" (مز 36)، ذاك الينبوع الذي هو مصدر كل الينابيع. "إن عطش أحد فليقبل إليَّ ويشرب .. فتجري من بطنه أنهار ماء حي" (يو 7)، ليس كتلك المياه التي تجري لأسفل بل المياه التي تتدفق لأعلى، إذ أن مياه يسوع لا تجعلنا ننحدر من أعلى بل نصعد فوق الأمور الدنيوية نحو السماوية، مياة تنبع لحياة أبدية (يو 4)، فيسوع هو مصدر البركات.
لماذا تتوانى عند البركة؟ فلك ذاك الذي مشي على المياة، الذي وبَّخ الرياح، الذي تحكَّم في البحر، ذاك الذي أنتشر تحته البحر كأرضية صلبه، ذاك الذي أعطى بطرس القوة ذاتها ليمشي عليه. عندما كان الليل حالكاً، لم يُميّز التلاميذ "النور الحقيقي"، لكن صوته المألوف كشف عن حضوره. بظنهم أنهم رأوا خيالاً أرتعب التلاميذ، لكن يسوع قال لهم: "أنا هو لا تخافوا"، فأجابه بطرس: "يا سيد إن كنت أنت هو - ذاك الذي أعلنه الآب لي - فمرني أن آتي إليك على الماء". فقال له يسوع: "تعال"، فالرب صالح وكريم في مشاركة مواهبه مع الآخرين.
فذاك الذي أخضع المياة بل وخلقها كان هناك بجانب مياه البركة. قال المخلع: "ليس لي إنسان، يُلقيني في البركة متى تحرك الماء". قال له المخلص: "لماذا تنتظر المياه حتى تتحرك؟ لا تنزعج، كن صحيحاً مُعافى، لماذا تنتظر حركة مرئية؟ إنَّ كلمة الأمر أسرع من الفكر. أنظر ببساطة إلى قوة الينبوع، وتعرف على الله الظاهر في الجسد. لا تحكم بالمظهر، بل بالعمل الذي يُحققه من خلال المظهر. لماذا تنتظر ما هو تافه؟ لماذا تبحث عن الشفاء في المياه؟ قُم، فالقيامة ذاتها تكلمك". إذ أن المخلص هو كل شيء لكل أحد في كل مكان: خبزاً للجياع، ماءً للعطشى، قيامة للأموات، طبيباً للمرضى، وفداءً للخطأة.
قُم أحمل سريرك وأمشي، أولاً أنهض، أولاً أطرح عنك مرضك، ثم أستعيد وتر الإيمان. إتكئ أولاً على السرير الذي يسندك، ثم تعلّم إستخدام الإطار الخشبي لتحمل الأشياء التي حملتك مدة طويلة. هذا المخلص ذاته أمرك بحمل التخت الخشبي الذي قيل عنه: "الملك سليمان عمل لنفسه تختاً من خشب لبنان، عمل أعمدته فضة ومقعده أرجواناً وداخله مُبلط بالأحجار" (نش 3: 9 س). إن رموز الآلام مخفية في تلك الأناشيد، العرسية والرزينة والعفيفة. لا تفسروا هذه الكلمات ببلادة كما فعل البعض وأعتبروها أناشيد حب وهيام عاطفي. هي كلمات عرسية مليئة بالإعتدال. لكن إذا لم تكن حسن المعرفة بسفر النشيد أتجه إلى سفر الأمثال، الذي يصعد بك تدريجياً نحو سفر النشيد. "الحكمة بنت بيتها .. (النص يتكلم عن الحكمة كإمرأة) وأرسلت جواريها" (أم 9)، وفي موضع آخر: "أحببها فتصونك" (أم 4). هذا ليس حب امرأة بل حب الحكمة الذي يطرد الهوى الجسدي، لأنه عندما تُقتنَّى الحكمة تُبعَّد الأهواء، لأن الأهواء لا تتوافق مع الحكمة بل الأفكار الحكيمة. الأهواء تجعل الإنسان مثل حصان جامح، لا تعرف شهوته التعقل. إذن إذا سمعت سفر النشيد يتكلم ظاهرياً على عريس وعروس، لا تهبط لفهم الكلمات بمعنى شهواني، لكن درَّب نفسك بأفكار بلا أهواء كوسيلة لتغيير عواطفك.


تأمل في الدروس المقدسة التي في سفر النشيد، إذ أنها تعابير عفيفة وتخبر بآلام المسيح، فهي تكشف تفاصيل آلامه. يخبرنا النشيد بمكان دفنه: "دخلتُ جنتي" (نش 5: 1)، ويذكر الأطياب والمُر، "قطفتُ مُري مع طيبي"، إذ أن حياته الأرضية قد أُكملت. وبعد القيامة قال: "أكلت شهدي مع عسلي" (نش 5: 1)، إذ أنهم قد ناولوه "شيئاً من شهد العسل" (لو 24). والنشيد يتكلم أيضاً عن الخمر الممزوج بالمُر: "فأسقيك من الخمر المُطيَّبة" (نش 8: 2). وفي موضع آخر يتكلم عن طيب الناردين الذي سُكب على رأسه: "بينما الملك في مجلسه، افاح نارديني رائحته" (نش 1)، إذ "وفيما هو في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص، وهو متكئ جاءت امرأة معها قارورة طيب ناردين خالص كثير الثمن فكسرت القارورة وسكبته على رأسه" (مك 14). هكذا أيضاُ فيما يتعلق بالصليب، إذ يُشير"التخت" إلى خشبة الصليب الذي حُملَّ عليها. "عمل أعمدته فضة"، إذ أن بداية الصليب كان من فضة، أقصد الخيانة. وكما يُتوَّج البيت الفاخر بسقف ذهبي ويكون له أعمدة لدعم الصرح الكامل، هكذا أيضاً كانت الفضة هي بداية صلبه وقيامته، لأنه لو لم يكن قد خانه يهوذا، ما كان قد صلب. لهذا السبب "عمل أعمدته فضة"، إشارة لبداية آلامه المعروفة.


"ومقعده أرجواناً"، لهذا ألبسوه ثوباً أرجوانياً، بغرض السخرية، لكن أيضاً بشكل نبوي إذ أنه ملكاً. بالرغم من أنهم كانوا يتصرفون بالدرجة الأولى بغرض التسلية، إلا أنهم فعلوا ذلك إشارة لكرامته الملوكية. وبالرغم من أن إكليله كان من الشوك، إلا أنه كان إكليلاً، إكليلاً مُضفَّراً بواسطة الجنود، إذ أن الملوك يُنادّى بها بواسطة الجنود. "مقعده أرجواناً، و داخله مُبلط بالأحجار"، أعضاء الكنيسة المستنيرين يعرفون الموضع الذي يسمى "ليذوزتروس" (باليونانية) أو جباثَّا (بالعبرانية- التي تعني حرفياً "مُبلط بالأحجار")، في بيت بيلاطس (يو 19: 13).


لقد أستطردت في شرحي من الفراش إلى التخت. حسناً، قال يسوع للمخلع: "قُم، أحمل سريرك وأمش". المرض كان قد طال زمنه، أما العلاج فكان فورياً. كانت أوتار الجسد قد شلت تماماً، لكن تم إعادتها بشكل فوري. إذ أن خالق الأوتار كان حاضراً، ذاك الذي دبّر العلاج للأعمى واستخدم مرهم الطين لتنفيذ علاج عجائبي. الطين الذي إن إستخدم للصحيح تتعطل رؤيته، إستخدمه يسوع ليعطي البصر للأعمى. في الحالات الأخرى، إستعمل يسوع وسائل أخرى للشفاء، أما في هذه الحالة، إستخدم هذه الكلمات: "قُم احمل سريرك وأمشي". تخيَّل معي دهشة المشاهدين. على أية حال، على رغم من روعة المشاهدة، إلا أن قلة إيمانهم كان غريباً. المرض المزمن تم شفاءه، لكن الشكوك المزمنة لم تُشفَّى بعد. فبقى اليهود مرضى، وبدون رغبة في الشفاء.


عند تعجبهم من حدث الشفاء، كان واجباً عليهم أن يقدسوا طبيب الأروح والأجساد. لكنهم تذمروا، إذ أن التذمر يجري في عروقهم، يعكسون الخير والشر، فيدعون المُر حلو والحلو مُر. ويسوع كان بشكل مُتعمد يعمل في السبت، يعمل أعمالاً فائقة تتجاوز السبت، لكي يلقنهم درساً بواسطة الفعل ذاته. فالحجة تهزم الأخرى أما الفعل فلا يقهر، لذلك كان يعطيهم درساً عملياً بعمل الشفاء يوم السبت، بدون تقديم حجة ضد أخرى لكن بإستخدام الفعل لإقناع المشاهدين.


قال اليهود: "أنه سبت، لا يحل لك أن تحمل سريرك". ومع أن المُشرّع ذاته كان حاضراً، إلا أنه ليس هو من قال "لا يحل لك". (فقول المزمور "يارب أجعل عليهم مُشرعاً" (مز 9: 21 س) يشير إلى المخلص). تم الرد عليهم بواسطة الرجل الذي حصل على شفاء الروح والجسد، فالحكمة أعارته كلمات حكيمة، بأجابة موجزة لا بمصطلحات قانونية. قال: "أنت تعلمون كلكم عدد السنين الطوال التي قضيتها طريحاً للفراش. وكيف كانت حالتي ميئوس منها. لم يقدم لي أي أحد منكم خدمة رفعي ووضعي اولاً في البركة لكي أُشفى. إذا كنتم قد أمتنعتم تماماً عن مساعدتي فلماذا تتصرفون الان كمشرعين وتقولون: "لا يحل لك أن تحمل سريرك يوم السبت"؟ يمكنني الإجابة عليكم بإختصار شديد: "الذي أبرأني هو الذي قال لي أن أفعل ذلك". يمكنكم الإزدراء بي لكن الحدث ذاته يجب أن يصعقكم. فهو لم يضع عليَّ أي مرهم، لم يستخدم أي معالجة أو تقنية طبية. هو فقط تكلم، والفعل تبع كلمته. لقد أعطاني أمراً، وأنا أطعته. لقد وثقت في أمره، لأن أمره قد شفاني. لو كان الرجل الذي أعطاني الأمر ليس له القدرة على الشفاء، ما كانت طاعته واجبة. لكن بما أن مرضي المزمن الذي كان واضحاً أمام الجميع، توقَّف عند أمره، من واجبي سماعه وطاعته إذ قد رأيت كيف إستمع مرضي له ورحل. فالذي أبرأني هو قال لي احمل سريرك".


الرجل الذي تم شفاءه لم يكن يعلم من هو الذي أبرأه. يمكننا ملاحظة كيف كان مخلصنا بعيداً كل البعد عن المجد الباطل. فبعد تتميم الشفاء أنسحب الرب غير راغباً في تقبل الثناء والفخر. نحن نعمل العكس تماماً. إذا أختبر أحدنا أحلاماً مقدسة، أو تمم شفاءً بوضع اليد، أو أخرج شيطاناً بتضرع، لا يحاول إخفاء نجاحه بل أحياناً يتفاخر به حتى قبل أن يسأله أحد. يعلمنا الرب يسوع بمثاله الخاص أن لا نتكلم عن أنفسنا. عندما تمم الشفاء أنسحب. لقد أنسحب في الوقت المناسب، ورجع في الوقت المناسب. فلكي يُثبّت شفاء الروح بجانب الشفاء الجسدي، جاء بعد أن تفرَّق الحشد وقال: "ها أنت قد برات. فلا تخطئ أيضاً لئلا يكون لك أشر".


يا له من طبيب متعدد المهارات! أحياناً يشفي الروح قبل الجسم، وأحياناً الجسم قبل الروح. "لا تخطئ أيضاً لئلا يصيبك أشر". هذا المثال يحتوي على درس عام، لأن هذا الكلام لا ينطبق فقط على ذلك الرجل بل يخصنا جميعاً. إذا تألمنا في أي وقت من مرض أو حزن أو مشقة، لا يجب علينا أن نلوم الله. "لأن الله غير مجرب بالشرور وهو لا يجرب أحداً" (يع 1)، بل كل شخص منا "بحبال خطيته يُمسَك" (أم 5) ويُضرب.


"لا تخطئ أيضاً لئلا يصيبك أشر". ليت كل البشرية تنتبه لهذه الكلمات. وليترك الزاني الآن شهوته، وليتحول البخيل الآن إلى الكرم، ليلتفت اللص الآن لهذه الكلمات "لا تخطئ أبضاً". إن مغفرة الله عظيمة ونعمته كريمة، لكن لا تجعل إتساع رحمته يقودك إلى الوقاحة، أو تجعل طول آناته سبباً للخطية. لكن بالأحرى، عالج أهواءك الجسدية وأجعل كلمات هذه الآية - التي تناسب حالتك جيداً - كلماتك الشخصية: "لأنه لما كنا في الجسد كانت أهواء الخطايا التي بالناموس تعمل في أعضائنا" (رو 7). عندما يقول الرسول: "لما كنا في الجسد" لا يتكلم هنا عن الجسم الذي يكسونا بل عن أعمالنا الجسدية، إذ هو ذاته عند قوله هذا كان لا يزال في الجسد. لكن تماماً كما قال الله قبل الطوفان: "لا يمكث روحي في الإنسان إلى الأبد لأنه جسد" (تك 6: 3 س)، بنفس المعنى يقول الرسول "لما كنا في الجسد".


لذا لا يجب أن يكون أي أحد منا "في الجسد"، أو بالأحرى، بينما نحن في الجسد، لا نسلك بحسب الجسد (رو 8: 4). فالرسول لا يريدنا أن ننسحب بالكامل من العالم لكي نتجنب عمل الشر، لكن يريدنا أن نُخضع الجسد ولا ننقاد بواسطته. يجب أن نكون قادة لا عبيد. يجب أن نأكل بإعتدال، وعوضاً عن الإنقياد بالشراهة نكبح بطوننا لكي نضبط أعضائنا الجسدية. ولندع الجسد ينقاد بالروح، عوضاً عن أن تنقاد الروح بالشهوات الجسدية. "لا تخطئ أيضاً لئلا يصيبك أشر". هذه الكلمات تحمل رسالة لكل واحد منّا. كل ما أتمناه أن يكون لنا الآذان للإستماع، إذ عندما تصل الكلمات لسماع الجسد لا تدخل دائماً إلى العقل. هذا ما يشير إليه المخلص عندما يقول: "من له أذنان للسمع فليسمع" (مت 11)، إذ كان يتكلم مع أناس لهم آذان جسدية فقط.


إذن، ليستمع كل إنسان ليسوع وليتجنب الخطية مستقبلاً، وليركض لا نحو الخطية بل نحو ذاك الذي يغفر الخطايا. إذا كنا مرضى فلنلتجئ إليه، إذا كانت أرواحنا متوجعة حزينة دعنا نستعين بسيد المعرفة، إذا كنا جياع دعنا نتقبل الخبز الحقيقي، إذا كنا أموات دعنا نشترك في قيامته، إذا كان العمر قد أمتد بنا في الجهل دعنا نسأل "حكمة الله" أن يمنحنا حكمة.


ولربنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

سلام ونعمه

يتم التشغيل بواسطة Blogger.