إسمي سارة - أبونا تادرس يعقوب

اسمي سارة
زوجي أبرام




كان اسمى ساراي، تزوجت في بلدة أور الكلدانيِّين (حاليا بدولة العراق)، مدينة تجارية عظيمة وغنية، لها شهرتها.
تزوجت من أخي أبرام الذي من والدي تارح وليس من أمي. وكان يُسمح للأخ والأخت أن يتزوَّجا ما داما من والدتين مختلفتين، وذلك لأجل المحافظة على الميراث، فلا ينتقل إلى آخرين.
استولى ملك غريب على المدينة، وأصدر قانونًا أن تُعبد الشمس لا القمر.
تضايق والدنا تارح من قرار الملك إذ اعتاد أن يصعد إلى هيكل لإله القمر ليقدم ذبائح وتقدمات.
اجتمع أبونا تارح بنا جميعًا، واقترح علينا أن نرحل إلى حاران التي تبعد حوالي 600 ميلاً من بلدنا.
كنت سعيدة جدًا مع زوجي أبرام. تحدث معي في الخيمة: "ما رأيك يا سارة في الأمر الذي أصدره الملك؟"
أجبت: "لست أدري، لكنني غير مستريحة".
قال: "هل يمكن لملك أن يُغَيِّرالآلهة؟ يوقف العبادة للقمر ويبدأ بعبادة الشمس؟ من أين جاء القمر؟ ومن الذي خلق الشمس؟"
سألته: "وما هو الحلّ؟"
أجابني: "أن نعبد اللّه خالق الشمس والقمر وكل الكواكب".
كان أبرام يحب اللّه جدًا ويتَّقيه، ويحب الناس ويشتاق أن يخدمهم. كان سخيًّا في العطاء، يستضيف كل يوم الغرباء. وكنت أصِّر أن أخدمهم بنفسي، ولا أدع الجواري والغلمان يخدمونهم.
انطلقت مع والدي وزوجي ولوط ابن أخي الذي كُنَّا نرعاه بعد وفاة والده... وقد وضعنا أمتعتنا على الدواب ، ومعنا قطعان كثيرة من الغنم والماعز.... كنا نسير ببطء شديد، حوالي 20 ميلاً في اليوم... سرنا حوالي شهر حتى بلغنا حاران.
وفي حاران مات والدنا، وكان عمره مائتين وخمس سنين.
لم يمضِ وقت طويل حين سمع أبرام صوتًا، ليس من إله القمرالذى كان يعبده والدنا تارح، ولا من إله الشمس ، بل من خالق الشمس والقمر. سمعه يدعوه أن يترك أرضه وعشيرته وبيت أبيه، ويقول له:
"أجعلك أمَّة عظيمة،
وأباركك،
وتكون بركة...
وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض" تكوين 12: 2-3.
كثيرًا ما كان يردد أبرام هذا الوعد، وكنا نحسبه كنزًا عظيمًا..
فهمنا هذا الوعد بأن اللّه يعطينا نسلاً، منه يخرج ذاك الذى يُبَارِك كل أمم العالم (أى السيد المسيح الذى من نسل داود، من سبط يهوذا، حفيد إبراهيم وسارة).
كنا نتحرك من موضع إلى آخر، حتى بلغنا بَلُّوطَة مُورَة في شَكيم. هناك ظهر اللّه لزوجي أبرام، وقال له: "لنسلك أُعطى هذه الأرض". وهناك بَنَى أبرام مذبحًا للرب وقدم ذبيحة شكر للّه.
انتقلنا إلى بيت إيل، ونصبنا الخيام، وبنينا مذبحًا للرب...

فى مصر

ارتحلنا نحو الجنوب بغنمنا ورجالنا.. لكن حدث جفاف، وانقطع المطر لعدة شهور، فصارت مجاعة شديدة.
تحدث معي رجلي أبرام:
- تُرى أين نذهب يا سارة، وقد كادت القطعان تموت جوعًا وعطشًا؟
- كيفما ترى يا أبرام.
- كل البلاد حولنا في جفافٍ شديد وقحط، ماعدا مصر التي تعتمد على نهر النيل.
- لنذهب إلى مصر.
- إني أخشى الذهاب إلى مصر.
- لماذا؟
- بسببِك.
- كيف؟.. أنت تعلم طاعتى الكاملة لك!
- أنتِ جميلة جدًا. يروكِ المصريين، ويخبروا فرعون فيقتلني ويستبقيكِ له زوجة!
- وما هو الحل؟
- قولي أنكِ أختي.. وأنتِ بالحق أختي من والدي.
استصْوبتُ مشورته، ورحلنا إلى مصر.
طلبنا من الرؤساء العاملين عند فرعون أن نشتري طعامًا. ذهب الرؤساء إلى فرعون ليصرح لهم ببيع الطعام لنا نحن الغرباء، وأخبروه عني.
طلب فرعون مقابلتي، وإذ رآنى طلب مني أن أعيش في جناح النساء مع بقية زوجاته في قصره الملكي. كانت عادة الملوك أن يكون لهم زوجات كثيرات.
أحبني فرعون فقدم عبيدًا وغنمًا وطعامًا وهدايا بسخاء شديد لزوجي أبرام، إذ حسبهُ أخي، فاغتنى أبرام جدًا جدًا.
أما أنا فكنت أرفع قلبي إلى اللّه وأصلي... لقد وثقت وأيقنت أن يده القوية لا بد أن تتدخل... إنني زوجة أبرام، ولن أقبل غيره! وكان لزوجي ذات الايمان.
مرِض فرعون وكل من في بيته، وإذ عرف فرعون أنني زوجة أبرام أطلقنا وطلب منا أن نرحل ومعنا كل ما قدمه لنا من غنى، وأقمنا بالقرب من حبرون جنوب كنعان.
تكوين 12

مع هاجر جاريتي

شعرت أن السنين تجرى، وقد صِرتُ شيخة، ولم أنجب...
إذ كنا نتحاور في وعد اللّه لنا قلت لرجُلي أبرام:
"قطْعًا سيُحقق اللّه وعده لنا،
لكنني أرى استحالة أن أنجب وأنت رجل شيخ، والرب أمسَكَنى عن الولادة.
لن يوجد طريق آخر لتحقيق الوعد الإلهي سوى أن تقبل جاريتي الشابة المصرية هاجر زوجة إلى حين، والطفل الذى تنجبه يُحسب ابنًا لك ولي".
سمع أبرام لصوتي وبالفعل صارت هاجر حاملاً. للأسف صارت جاريتي تسخر بي، وشعرت أنني صَغُرت جدًا في عينيها.
خشيت لئلا يُعطي أبرام كل اهتمامه لجاريتي، فتمرَّرت نفسي في داخلي. شعرت أنني أخطأت في مشورتي وقررت مضايقة هاجر حتى تهرب من أمام وجهنا.
بالفعل هربت هاجر، لكن ملاك الرب ظهر لها وطلب منها أن تعود وتعيش معي بروح الخضوع بغير عجرفة.
بعد مرور 13 سنة ظهر الرب لأبرام وكان ابن تسع وتسعين سنة، وأكد له ذات الوعد:
"هوذا عهدى معك،
وتكون أبًا لجمهورٍ من الأمم..
وأثمرك كثيرًا جدًا، وأجعلك أممًا".
قال له اللّه إنه لا يعود يُدعى أبرام بل "إبراهيم"، وتعنى "أبًا لكثيرين، ولا أُدعى أنا ساراي بل "سارة".
سجد إبراهيم على وجهه أمام اللّه، وضحك في نفسه مندهشًا كيف يمكن لرجل ابن مائة عام وزوجته في التسعين من عمرها أن يصر لهما ابن. ظنّ أن الوعد يتحقق بابن هاجر، لكن الرب بارك ابن هاجر وأكدَ أن الوعد لإسحق مني. (تكوين 21: 17).

أخيرًا تحقق الوعد

كان إبراهيم رجلي جالسًا كعادته في وقت الظهيرة في باب الخيمة عند شجرة ضخمة في مَمْرا، ينتظر لعله يجد غريبًا يستضيفه.
عبر به ثلاثة رجال، ولم يكن يعرف أنهم الرب وملاكان.. سجد لهم إلى الأرض واستضافهم، وجاء إلىّ مسرعًا يطلب مني أن أعد لهم  طعامًا. فكنت أعمل بكل جدٍ وبفرحٍ شديد...
دار الحوار التالي الذي سمعته وأنا داخل الخيمة:
- أين سارة امرأتك؟
- ها هي في الخيمة.
- إني أرجع إليك نحو زمان الحياة (بعد عام) ويكون لسارة زوجتك ابن.
إذ سمِعْتُ ذلك ضحكت لأننا شيخان، وأنا أحسبُ نفسي قد فنيت...
فقال الرب: "لماذا ضَحكتْ سارة؟ هل يستحيل على الرب شيء؟"
خفتُ فأنكرتُ قائلة: "لم أضحك".
أجاب: "لا، بل ضحكتِ".
قبل عام أنجبتُ طفلاً، ودعيته كما قال الرب "إسحق"، ويعني "ضحكًا"، إذ قلتُ: "قد صنع إلىّ اللّه ضحكًا. كل من يسمع يضحك لي".    تكوين 21

ذبيحة طاعة وحب

كبر ابنى إسحق. وكان أخوه يكبرهُ حوالي 15 عامًا. رأيت أخاه يمزح معه، فيضرب بالرمح كمن يلعب، وأحسست أنه يريد قتله ليصير الوارث الوحيد لكل ممتلكاتنا!
أصررْتُ على طرده مع أمه هاجر، فوافقني إبراهيم في ذلك.
كبر إسحق ابنى وصار شابًا... لم أكن أقدر على غيابه، غير أنه ذات مرة غاب قرابة أسبوع مع أبيه إبراهيم، وإذ جاءا رأيتهما متهللان جدًا، وكانا كملاكين يسيران على الأرض. مع شيخوختي كنت أجري لاستقبالهما...
سَألتُ إبراهيم:
"أين كنتما؟
ولماذا غبتما كل هذا الزمان؟
وما هو سِرّ فرحكما وبهجة قلبيكما؟"
قال لي إبراهيم:
"لقد ظهر لي الرب وقال لي: "خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق، واذهب إلى أرض المُرِيَّا وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذى أقول لك" تكوين 2:22.
في الصباح المبكر أخذت إسحق ابنى واثنين من غِلماني، وشَقَّقْتُ حطبًا للمحرقة، وذهبت إلى الموضع الذي قال لي اللّه عنه".
كنت أتابع حديثه بكل أحاسيسي ومشاعري... لكن مع محبتي الشديدة لإبراهيم وطاعتي له قطعت كلماته على غير العادة، وقلت له:
- ولماذا لم تَسَلْنى في الأمر؟ أليس إسحق هو ابني أنا أيضا؟
- أنتِ تعلمين، أنني في كل شىء أتحاور معك بكل وداعة.. وأسمع لك كما تسمعين أنتِ لي... لكن الأمر كان صادرًا من اللّه الذى هو فوقي وفوقك.
- لعلِّي كنتُ أذهب معك وأشترك معك في العمل.
- إنني تمَّمْت ما قاله لي إلهنا!
- وما هي مشاعرك وأنت ذاهب لتقدِّم ابنك ذبيحة؟
- أنا أعلم تمامًا أن اللّه يرفض ذبح أي إنسان، ولا يقبل ذبائح بشرية، لهذا تيقنت أن وراء الأمر خطة إلهية تفوق ادراكي... ملأ اللّه قلبي سلامًا وثقة. قلت في نفسي: "الذي وعدني أنه بنسل إسحق ابني يتبارك كل الأمم هو قادر أن يُقيمه من الأموات. كنت متأكد أنه سيعود معي حيًّا".
- وماذا حدث؟
- سِرت ثلاثة أيام فرأيت علامة من بعيد... رأيت علامة قيامة المَسيِّا الآتي لخلاصنا في اليوم الثالث من موته فأطمأنِّيت بالأكثر.
- كنت أود أن أرى معك هذه العلامة.
- إنكِ ترينها في ابنك إسحق المبارك.
- ماذا حدث؟
- لقد تركت الغلامين والدابة، وسِرتُ مع إسحق ابني، وكان يحمل حطب المحرقة. في الطريق سألني إسحق: "هوذا النار والحطب ولكن أين الخروف للمحرقة؟" أجبته: "اللّه يرى له الخروف للمحرقة يا ابني". سِرْنا معًا وعند الموضع بنينا المذبح، ربطتُ ابني إسحق، وقد سلَّم لي نفسه تمامًا. أمسكتُ بالسكين ومددت يدى، لكنني سمعت صوتًا رهيبًا.
- أي صوت هذا؟
- صوت ملاك الرب من السماء يقول لي: "إبراهيم إبراهيم... لا تمد يدك إلى الغلام، ولا تفعل به شيئًا، لأني الآن علمت أنك خائف اللّه فلم تمسك ابنك وحيدك عني.
- هل قدَّم اللّه لك وعدًا؟
- نعم... بعدما رأيت كبشًا وأصعدته محرقة عوض ابني... ناداني ملاك الرب ثانية من السماء وقال لي: "بذاتي أقسمت يقول الرب. إني من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تُمسك ابنك وحيدك، أباركك مباركة، وأكثر نسلك تكثيرًا كنجوم السماء، وكالرمل الذي على شاطيء البحر. ويرث نسلك باب أعدائه. ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض، من أجل أنك سمعت قولي".
تكوين 22

مقبرة سارة

إذ بلغت سارة مئة وسبعًا وعشرين سنة ماتت سارة في قرية أرْبَعْ التي هي حبرون في أرض كنعان...
قدم بنو حِثْ قطعة أرض لبناء مقبرة لسارة ورفضوا قبول ثمنها، فسجد إبراهيم أمامهم علامة شكر لمحبتهم... وأصّر على دفع ثمنها.
تكوين 23




0 التعليقات:

إرسال تعليق

سلام ونعمه

يتم التشغيل بواسطة Blogger.