الكفـــــــن المقـــــــدس




الكفـــــــن المقـــــــدس


 
 



ما يلي شرح للكفن المقدس الموجود بتورينو بإيطاليا بإختصار شديد


الكفن المقدس يشرح تفاصيل الآلام التى قبلها الرب من أجلنا كما لو كنا واقفين عند الصليب مع التلميذ يوحنا والعذراء نتابع الأحداث الخلاصية لحظة بلحظة ونتأمل فى الآية التى تقول:
"أنظروا أية محبة أعطانا الآب" (1يو 3 : 1).
"الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح من أجلنا" (رو 5 : 8).
الكفن المقدس - وهو كفن الرب يسوع - إشتراه يوسف الرامي وكفن به السيد المسيح، وعند القيامة ظلت الأكفان بالقبر فإحتفظ بها التلاميذ، ثم حمل تداوس الرسول الكفن إلى أبيجار الخامس حاكم أودسا. وإنتقل الكفن عبر القرون من أودسا إلى القسطنطينية إلى فرنسا، وأخيرا إستقر بتورينو فى إيطاليا.
والكفن مصنوع من قطعة واحدة ما عدا شريحة واحدة عرضها 9 سم بطول الجانب الأيسر للقماش ومحيطة به خياطة يدوية بسيطة.


المظهر العام للكفن:


بدأت الأبحاث فى الكفن فى يوم 22/11/1973 وإتضح أن قماش الكفن طوله 4.35 متر وعرضه 1.09 متر، وهى صورة مزدوجة(على هيئة ظلال ساقطة على القماش تشبه طبع باهت) للظهر والوجه لشكل رجل من الأمام والخلف له بنية قوية والشعر مسترسل واللحية طويلة والكفن يلف من تحت الجسم إلى فوقه ولونه عاجى لمرور الزمن وهذه كانت طريقة التكفين.
وإذا تأملنا الصورة الموجودة بالكفن وجدنا أن الوجه يشبه قناع بعينين واسعتين، ويبدو الوجه مفصولاً عن باقي الجسد لعدم وضوح الكتفين، بينما تجد تقاطع اليدين فوق الحقوين واضحاً جداً. ووجد علي الكفن دماء فى الجبهة نتجت عن إصابة الجمجمة فى مواضع مختلفة وكذلك توجد هذه الدماء أيضاً فى الصورة الخلفية (الكفن عند الجسم من الخلف) تتدفق من الجزء الخلفي للرأس وهناك دماء تنزف من القدمين والرسغين، وجرح الحرب بالجانب الأيمن مثقوباً وهناك كمية غزيرة من الدماء سالت من الجرح وكمية أخرى تسيل من الجانب الأيمن فى الصورة الظهرية الخلفية ناتج عن نفس الجرح.


إحتراق الكفن:


الكفن تعرض لحريق عام 1516م وملابساته غير معروفة، ولحريق آخر عام 1532م فى كنيسة تشامبري وإمتدت ألسنة اللهب إلى الكفن ولكن أمكن إنقاذه فى آخر لحظة عن طريق حمل الصندوق المحتوي على الكفن وهو مشتعل إلى خارج الكنيسة التى أتت عليها النيران بالكامل ولكن نقطة من الفضة المنصهرة سقطت على الكفن وأدى ذلك إلى حرق جزء من أطراف القماش.


أبحاث الكفن:


- تمت فى عام 1898م حيث جاء المصور "بيا" بكاميرات بدائية وصور الكفن والمثير للدهشة أن النيجاتيف أكثر وضوحاً، وبقع الدم ظهرت بيضاء وكان الكفن مغطى بالزجاج وبالتالي تكون بذلك صورة فوتوغرافية حقيقية واضحة لشكل إنسان.
- أما المصور "أندي" فقد صور الكفن بكاميرات أحدث عام 1931م، وجاءت الصور الإثنى عشر أكثر دقة ووضوحاً وكان الكفن غير مغطى بالزجاج.
- أما المحاولة الثالثة فكانت عام 1969 قام بها د/ جوديكا - كوديجيليا فى حضور مجموعة من العلماء إشتركوا فى عمل الأبحاث الخاصة بالكفن.


وأبحاث الكفن تدل على:


1) طول المسيح 181 سم وهو طول فارع والأطراف جميلة وله بنية متناسقة والكتف الأيمن يظهر منخفض عن الأيسر نظراً لعمل النجارة ولحمل الصليب، وسن صاحب الكفن لا يقل عن 30 سنة ولا يزيد عن 45 سنة. وتدفق الدماء نتيجة لقوة الجاذبية الأرضية مثلما قال العالم يفير ديلاج.
2) وجود إنتفاخات فى حاجبي العين وتمزق جفن العين اليمنى، وإنتفاخ كبير تحت العين اليمنى وإنتفاخ فى الأنف، وجرح على شكل مثلث على الخد الأيمن وقمته جهة الأنف. وإنتفاخ فى الخد الأيسر وفى الجانب الأيسر للذقن. وهذا ما توضحه البشائر من لطم وضرب كثير على الوجه من خدم رئيس الكهنة وجنود بيلاطس البنطي وهذا ما يقوله البشير متى: "حينئذ بصقوا على وجهه ولكموه وآخرون لطموه" (مت 26 : 67) كما يتضح من الكفن نتف شعر اللحية فى الجزء الأيمن لأنه أقل من الأيسر.
وبهذا تحققت النبوات:
"وبذلت ظهري للضاربين وخدي للناتفين. وجهى لم أستر عن العار والبصق .. محتقر ومخذول من الناس. رجل أوجاع ومختبر الحزن" ( أش 50: 6 - 53 : 3).

"يعطي خده لضاربه . يشبع عاراً" (مراثى 3: 30).
3) كما يوجد خلف الرأس علامات داكنة وإنسكاب الدماء من 8 قنوات ناجمة عن جروح ثقبية منفصلة فى الجمجمة بسبب طاقية الشوك لحد الرقبة مثلما يقول الكتاب المقدس على لسان التلميذ متى "وضفروا إكليل شوك ووضعوه على رأسه" (متى 27 :29).
"لأن شوكة الموت هى الخطية" (1كو 15 : 56)
4) كما توجد مجموعة جراحات الظهر (90 - 120) نقط سوداء فى مجاميع ثلاثية من محور أفقي إلى أعلى بشكل مروحي نتيجة عملية جلد السياط "أما يسوع فجلده" (مت27 : 26) وفى إنجيل يوحنا يقول "أخذ بيلاطس يسوع وجلده" (يو19 : 1).
وتحققت النبوة "على ظهري حرث الحراث" (مز 129: 3).
5) السوط المستخدم فى الجلد سوط روماني معروف بإسم (flagrun texeilaty) وهو رهيب يتكون من 3 سيور جلدية وكل سير ينتهي بكرتين من الرصاص أو العظم (الكرة 12 مم).
6) من الواضح أن المسيح جلد وهو منحني الظهر إلى الأمام، لأن هذه الحالة تنساب فيها الدماء من جروح الكتف فى الإتجاه العرضي (الواضح بالكفن) ثم إنتصب بجسمه إلى فوق الذى نرى إتجاهاً رأسياً للدماء النازلة ويديه ممتدتين للأمام ومرتكزتين على عمود قصير طوله 64 سم ومن الظهر نعرف أن الجلد تم بواسطة رجلين. والرجل الذى على اليمين كان أطول وحبه للإنتقام أشد وأكبر.
كما نلاحظ أن الجلاد الأيسر ركز ضرباته على الجانب الأيمن للجزء العلوى من الظهر. بينما وجه الأيمن أغلب جلداته على الساقين وجزء من الكتف الأيسر. ولاحظ العلماء أن مساحة الجلدات فى منطقة الكتفين داخل مساحتين أكبر من اللحم المتهرئ نتيجة لحمل شيء ثقيل وخشن. وفى ذلك يقول الكتاب المقدس "وخرج وهو حامل صليبه" (يو19 :17)
كما لاحظ العلماء أن الرب حمل الصليب ولم يكن ظهره عارياً، والكتاب يقول أن الرب قد إرتدى ملابسه بعد أن جلد وقبل أن يحمل الصليب (مت27 : 20،31).

7) تحت قمة الكتفين وجود شكل رباعي 10 سم × 8.5 سم على الكتف الأيمن وأقل منها فى المنطقة الأخرى ويمثل تسلخات من جراحات السياط.
8) وجود تسلخات عميقة فى ركبتي صاحب الكفن وكدمات فى الركبة اليسرى وأصغر منها فى الركبة اليمنى، تسلخات فى صابونة الركبة نتج عن إرتطامها نتيجة سقوط المسيح تحت الصليب عدة مرات (مت27: 32)، (مر15: 21) و (لو23: 26).
ولاحظ العلماء وجود مساحة مميزة اللون وإتضح أنه البصاق.
9) وإتضح للعلماء وجود ركيزة سفلية للرجلين لإثنائهما لكي لا يموت سريعاً ويستطيع رفع الجسم للتنفس.

موت المسيح:


- يدل الكفن أن الرب لم يمت بالإختناق والدليل على ذلك أن البطن بارزة للأمام والكتف الأيسر أعلى من الأيمن وهذا دليل على أنه مات فى الوضع الأعلى. والإختناق لا يتم إلا فى الوضع الهابط للجسم.
كما أن تنكيس الرأس لا يحدث للجسم فى الوضع السفلي وهذا يطابق الكتاب إذ يقول "ونكس رأسه واسلم الروح" (يو20: 30).
- وتنكيس الرأس ثم إسلام الروح يدل على أنه مات بإرادته كقوله "ليس أحد يأخذها (روحه الإنسانية) منى. بل أضعها أنا من ذاتي" (يو10: 18)، بعكس الإنسان تؤخذ روحه رغماً عنه فينكس رأسه تلقائياً.
- وأسلم روحه الإنسانية فى يد الآب الذى هو واحد معه، أي فى يد لاهوته المتحد به .. بعكس الإنسان يسلم روحه فى يد الله الذى هو مستقل عنه.
- والموت حدث نتيجة إنفجار فى القلب وتقطع الشرايين فى جسد المسيح لأن المسيح كان يصنع حركة تأرجحية لأسفل ولأعلى حوالى 2700 مرة علماً بأن عملية الشهيق والزفير حوالي 15 مرة فى الدقيقة. وتتضح الآلام النفسية والجسدية فى قول المخلص "نفسي حزينة حتى الموت" (مر14: 34)، ومات المسيح لتحقيق الخلاص والفداء بناسوته فقط.
- والمسامير فى اليدين فى الرسغ وليس فى راحة اليد حتى يتحمل ثقل الجسم. ويتضح عدم ظهور الإبهام بالكفن نتيجة إنقباضة بسبب لمس المسمار للعصب الأوسط (الميديان) وهو أكبر الأعصاب. وتم وضع المسمار فى المعصم فى الفراغ الذى يعرف طبياً (بفراغ ديستوت) وهو الفراغ المحاط بالعظم. وبالتالي لا يكسر أي عظم منه كما يقال الكتاب "وعظم لا يكسر منه" (يو 19: 36).
والمسمار طوله 18 سم وتم تسمير الرجلين بمسمار واحد بوضع الرجل اليسرى فوق اليمنى، ومسمار القدم يأخذ شكل متوازي مستطيلات. ويخترق مشط القدم بين عظام السليمات الثانية والثالثة وكما قلنا إستندت الرجلين على ركيزة سفلية حتى لا يموت سريعاً ويستطيع رفع الجسم للتنفس.
وأما عن طريقة كسر السيقان التى حدثت مع اللصين فهى للتعجيل بموتهم قبل السبت. ولكن وجد الجند السيد المسيح قد مات فلم يكسروا ساقيه وكان هذا بتدبير إلهى:
1) ليبين أنه مات بإختياره فى الوقت الذى حدده هو وليس بسبب كسر سلقيه.
2) ولتتم النبوة القائلة "يحفظ جميع عظامه .. واحد منها لا ينكسر" (مز34: 20).
3) وليكمل الرمز .. إذ أن خروف الفصح الذى كان رمزاً للسيد المسيح كان عظم من عظامه لا يكسر (خر12: 46).

طعن الحربة:


يقول الكتاب "لكن واحداً من العسكر طعن جنبه بحربة وللوقت خرج دم وماء" (يو19: 34).
- طعن الحربة تم فى الجانب الأيمن وطوله حوالي 4.6 سم وإرتفاعه 1.1 سم بين الضلع الخامس والسادس على شكل تمزقات دائرية يتخللها مناطق خالية من الدماء مع سائل صاف (دم وماء).
- يقول التقليد أن طاعنه هو لنجينوس الذى أصبح شهيداً.
- وبذلك تمت نبوة زكريا القائلة: "فينظرون إلى الذى طعنوه" (زك12: 10) والتى أشار إليها القديس يوحنا الرائي بقوله "هوذا يأتى على السحاب وستنظره كل عين والذين طعنوه (رؤ1:7).

السبب فى نزول الدم والماء معاً:


أولاً: الدم (إذا طعنت فى الجانب الأيسر لما سال الدم مطلقاً لأن البطين يكون غالباً فارغاً من الدماء عقب الموت. ولكن الأذين الأيمن يكون ممتلئاً بالدم السائل الذى ينبع من الوريد العلوي الأجوف والسفلي.
ثانياً: الماء (نزل ماء من السائل التيموري للقلب والموجود فى الإنسان كملعقة شاى وزادت نتيجة للآلام الشديدة والإرهاق. وهناك رأي آخر يقول أن السائل قد إنسكب من الكيس البللوري المحيط بالرئتين وهو الذى سبب نزول الدم الغليظ القوام ثم نزول الماء الأخف (وهو رأي د/ أنتوني سافا) وهو الرأي الأرجح. وهذه معجزة تؤكد أن الذى مات على الصليب ليس إنساناً عادياً وإنما هو الإله المتجسد الذى وإن مات بناسوته فقد ظل حياً بلاهوته. وأن لاهوته لايفارق ناسوته بل ظل متحداً بكل من روحه الإنسانية وجسده الإنساني.
وصار أثر الحربة مع المسامير دليلاً على قيامته كما حدث مع توما الرسول عندما شك فى قيامته.
فى القداس الإلهي بعد أن يصب الكاهن قارورة الخمر فى الكأس يضع قليلاً من الماء ويضيفه إلى الكأس إشارة إلى الماء والدم الذين خرجا من جنب الرب على الصليب.
ولتحقيق نبوة زكريا "ويكون فى ذلك اليوم أن مياها حية تخرج من أورلشيم (زك14: 8).

معجزة صورة الكفن:


وهى طبعت بطريقة معجزية نتيجة لقوة الحرارة والضوء الشديد المنبعث من الجسد المقدس لحظة قيامته المقدسة ويرى علماء اللاهوت أن القوة التى خرجت من الجسد مثلما حدثت خلال خدمته على الأرض والتى كانت تشفى الأمراض مثلما حدث مع المرأة نازفة الدم.

أدلة لكفن المسيح:


توصل علم الحفريات أن هذا الكفن هو للمسيح له المجد عن طريق الآتى:
- اللحية وخصلة الشعر الطويل تدل على أن المصلوب يهودي وهو المسيح.
- السياط عبارة عن ثلاثة أفرع فى سوط واحد، كل فرع من السوط به كرتين معدنيتين مثبتتين به (يتضح أنه سوط روماني).
- الحربة رومانية وإسمها (لانسيا) وهى المستخدمة فى طعن جنب المخلص لأنها تصنع نفس جرح الحربة الموجود بالكفن وهو القوس الناقص.

طريقة الدفن:


- هى بسط الكفن (الكتان) من أسفل الجسم إلى أعلى بالطول. وكان بسبب التكفين بهذه الطريقة إنطباع الصورتين (الأمامية والظهرية بالكفن).
- المسيح لم يغسل قبل التكفين نظراً للوقت الذى إستغرقه يوسف الرامي فى مقابلة بيلاطس قبل بدأ الإستعداد للسبت ووضعت عليه الحنوط.
- مما دفع النسوة للعودة فجر الأحد لتكميل عملية التكفين (لو23: 56) حيث يحتمل أن النساء إشترين قبل السبت الحنوط بكمية غير كافية بسبب إغلاق محلات البيع وإنتهاء البيع والشراء لدخول يوم السبت فإشترين باقي الحنوط بعد السبت.
- العالم يفير ديلاج أوضح أن عمر صاحب الكفن تراوح ما بين 30 و 45 عاماً كما تظهر عضلات جسمه تدل على أنه كان يعمل عملاً يدوياً، وبذلك يكون المسيح هو صاحب الكفن لأن عمره 33 سنة ويعمل بالنجارة كما جاء بالأناجيل.
- أثبتت الحفريات أن مكان القبر هو أورشليم بكنيسة القبر المقدس خارج أسوار المدينة.
- الكتان المستخدم نقى وغالي الثمن فعلاً كما ذكر الإنجيل (يو19: 40) والكتان نسيج نباتي يمتاز بالنقاوة والقوة والإحتمال..والسيد المسيح الذى إستخدم الكتان لتكفينه هو القدوس الكلي النقاوة والذى إحتمل الصليب. والكتان المستخدم للتكفين مثل المستخدم فى صناعة الحرير فهو عبارة عن ثلاثة خطوط وخط واحد فوقه. مما يدل على أنه غالي الثمن فعلاً.
- الكتان قد تم نسجه بنفس طريقة القرن الأول وهو زمن مولد السيد المسيح، كما أن الكتان يحتوى على آثار قطنية مما يؤكد أنه جاء من الشرق الأوسط.
- صورة الكفن ليست نتيجة لإستخدام الصبغات، ولايتدخل فيها أي عنصر بشري ولا توجد فيها أي مواد تلوين (كالزيت أو الشمع) ولا توجد بالكفن أي أماكن مشبعة أكثر من غيرها باللون مثل الرسم العادي. ولا توجد أثار لأي حركة يد الرسام.
- كما أن صورة الكفن ثلاثية الأبعاد، وبلغة الهندسة نقول أن كل الصور ثنائية الأبعاد. ولكن صورة الكفن ثلاثية الأبعاد أي أن كل نقطة فيها لها ثلاثة أبعاد من المحاور الرئيسية الثلاثة المتعامدة.
- عدم وضوح الصورة عن قرب تؤكد عدم رسمها باليد.
- ثبات الصورة فى الحرارة والماء حيث لم يحدث إختلافات فى كثافة اللون.
- ثبات الصورة كيميائياً لأن العلماء إستخدموا الأحماض والمذيبات العضوية لإزالة اللون الأصفر من الشعيرات ولكن دون جدوى.
- حبوب اللقاح العالقة بالكفن تدل على أنه كان موجود بفلسطين وأوضح العالم ماكس فرى أن قشور هذه الحبوب تؤكد على أن الكفن هو من القرن الأول الذى ولد فيه المسيح.
- الكفن مطابق لما جاء بالبشائر أنه كفن المسيح، والجسد عانى الصلب مثل السيد المسيح له المجد.
- الدماء حقيقية (أي دماء بشرية) لأسباب وجود البروتين والحديد وهو إحدى مكونات الدم, وهو واضح بإستخدام الأشعة السينية.
- المحمول من الصليب هو الخشبة العرضية فقط (هى التى حملها المسيح) أما جذع الصليب أو الخشبة الطولية تبقى مثبتة فى مكان الصلب. ويصل وزن الخشب العرضية 45 كجم تقريباً، ولكن المسيح سقط تحته عدة مرات نتيجة الآلام والسير للمحاكمات الخمسة.
وأخيراً نقول أن موت المسيح أثبتت إنسانيته ولكن قيامة المسيح أثبتت ألوهيته.

معلومات عن آلات التعذيب

1) خشبة الصليب:



نقلت عام 670 م فى كنيسة أجيا صوفيا فى القسطنطينية وبعد هذا التاريخ لا يعلم أحد أين ذهب التابوت وخشبة الصليب.
ولكن هناك رأي آخر يقول أنه بعد إكتشاف الصليب على يد الملكة هيلانة فى أوائل القرن الرابع الميلادي قد قسم الصليب إلى أجزاء عديدة وإنتشرت فى ربوع العالم، وهذا هو الرأي الأرجح حيث يوجد منها فى روما وفى القسطنطينية ويوجد حالياً جزء منها فى مصر فى كنيسة القديس سيدهم بشاى بدمياط.


2) إكليل الشوك:


محفوظ فى كاتدرائية نوتردام بفرنسا.


3) المسامير:




إكتشفتها الملكة هيلانة مع الصليب المقدس وأرسلتها إلى الملك قسطنطين الذى فرح بها وثبت إحداهم فى الخوذة الملكية. والثلاث المسامير متوزعين فى:
- مسمار فى كنيسة الصليب بروما.
- ومسمار فى دير سان دنيس.
- المسمار الثالث فى دير سان جيرمان بفرنسا.


4) ملابس المسيح:



تم العثور عليها مع درجات سلم قصر بيلاطس الذى صعد عليه المسيح. والقصبة التى أعطيت للمسيح على صولجان والأسفنجة المقدسة والحربة والعامود الذى ربط عليه وتم جلده وعصابة الرأس (التى للعين فى بيت قيافا) وحجر التحنيط الذى إستخدمه يوسف الرامي فى تحنيط جسد الرب يسوع المسيح موجود فى كنيسة القيامة.


الكفن المقدس – وهو كفن الرب يسوع – اشتراه يوسف الرامي وكفن به السيد المسيح وعند القيامة ظلت الأكفان بالقبر فاحتفظ بها التلاميذ ، ثم حمل تداوس الرسول الكفن الى ابيجار الخامس حاكم اوديسا واكتشف فيها حوالي سنة 544 وانتقل الكفن عبر القرون من اوديسا الى القسطنطينية سنة 944 واختفى من القسطنطينية من الصليبين سنة 1204 وعرض سنة 1357 في فرنسا وأخيراً استقر بتورينو في ايطاليا والكفن مصنوع من قطعة واحدة ما عدا شريحة واحدة عرضها 9 سم بطول الجانب الأيسر للقماش ومحيطة به خياطة يدوية بسيطة .




المظهر العام للكفن :-
بدأت الأبحاث في الكفن في يوم 22/11/1973 واتضح أن قماش الكفن طوله 4.35 وعرضه 1.09 متر ،وهي صورة مزدوجة ( على هيئة ظلال ساقطة على القماش تشبه طبع باهت ) للظهر والوجه لشكل رجل من الأمام ومن الخلف له بنية قوية والشعر مسترسل واللحية طويلة والكفن يلف من تحت الجسم الى فوقه ولونه عاجي لمرور الزمن وهذه كانت طريقة التكفين .
واذا تأملنا الصورة الموجودة بالكفن وجدنا ان الوجه يشبه قناع بعينين واسعتين ، ويبدو الوجه مفصولاً عن باقي الجسد لعدم وضوح الكتفين ،بينما تجد تقاطع اليدين فوق الحقوين واضحاً جداً ووجد على الكفن دماء في الجبهة نتجت عن اصابة الجمجمة في مواضع مختلفة وكذلك توجد هذه الدماء ايضاً في الصورة الخلفية ( الكفن عند الجسم من الخلف ) تتدفق من الجزء الخلفي للرأس وهناك دماء تنزف من القدمين والرسغين ، وجرح الحربة بالجانب الأيمن مثقوباً وهناك كمية غزيرة من الدماء سالت من الجرح وكمية أخرى تسيل من الجانب الأيمن في الصورة الظهرية الخلفية ناتج عن نفس الجرح .




A الصورة الكاملة للكفن وهو مفتوح تظهر فيه صورة السيد المسيح بشكل خفيف ( خيال ) أي نلاحظ صورتين : الصورة العلوية مقلوبة رأساً على عقب وتظهر الجانب الخلفي للسيد المسيح أي أن الكفن يحوي الصورة الأمامية والخلفية للسيد المسيح ولهذا نلاحظ شكل الصورتين : الخطوط والأشكال الغامقة نتيجة حروق اصابت الكفن.

A

C بقع دم على المعصمين مكان المسامير



B العلامة الظاهرة على جبين المسيح بقع دم.



إحتراق الكفن:-
الكفن تعرض للحريق عام 1516م وملابساته غير معروفة في كنيسة تشامبري وامتدت ألسنة اللهب الى الكفن ولكن أمكن انقاذه في آخر لحظة عن طريق حمل الصندوق المحتوي الكفن وهو مشتعل الى خارج الكنيسة التي أتت عليها النيران بالكامل ولكن نقطة من الفضة المنصهرة سقطت على الكفن وأدى ذلك الى حرق جزء من أطراف القماش .


أبحاث الكفن تدل على:-
1- طول السيد المسيح 181م وهو طول فارع والأطراف جميلة وله بنية متناسقة والكتف الأيمن يظهر منخفض عن الأيسر نظراً لعمل النجارة ولحمل الصليب ، وعمر صاحب الكفن لا يقل عن 30 سنة ولا يزيد عن 45 سنة وتدفق الدماء نتيجة لقوة الجاذبية الأرضية مثلما قال العالم يفير ديلاج .
2- وجود انتفاخات في حاجبي العين وتمزق جفن العين اليمنى ، وانتفاخ كبير تحت العين اليمنى وانتفاخ في الانف ، وجرح على شكل مثلث على الخد الأيمن وقمته جهة الأنف ، وانتفاخ في الخد الأيسر وفي الجانب الأيسر للذقن ، وهذا ما توضحه البشائر من لطم وضرب كثير على الوجه من خدم رئيس الكهنة وجنود بيلاطس البنطي، وكذلك يلاحظ مظهر الدماء النازفة من إكليل الشوك خلف الرأس على الرقبة فلا نراها مناسبة في الاتجاه الرأسي كما هو متوقع بل متجهة نحو اليسار ومن الجدير بالذكر أن حسب الدراسات ان السيد المسيح سقط على الطريق وهو حامل الصليب الى الجلجة ثلاث مرات ، وعندما درس العلماء بتدقيق صورة وجه الرب يسوع المسيح على الكفن أثار انتباههم وجود مساحة مميزة اللون في الجزء بين العين اليمنى والأنف يقول ريتشي الذي درس الكفن أكثر من 30 سنة أن درجة لون هذه المساحة يقطع بأنها ليست آثار دماء أو دموع ،
ك إنها البصاق الذي تعرض له الرب يسوع خلال آلامه وهذا ما يقوله البشير متى " حينئذ بصقوا على وجهه ولكموه وآخرون لطموه " ( متى 26 : 67 ) كما يتضحف من الكفن نتف شعر اللحية في الجزء الأيمن لأنه أقل من الأيسر.



وبهذا تحققت النبوات:-
" وبذلت ظهري للضاربين وخذي للناتفين وجهي لم أستر عن العار والبصق محتقر ومخذول من الناس رجل اوجاع ومختبر الحزن ( اش 50:6-53:3)
" يعطي خده لضاربه يشبع عاراص ( مراثي 3: 3)
3- كما يوجد خلف الرأس علامات داكنة وانسكاب الدماء من 8 قنوات ناجمة عن جروح ثقبية منفصلة في الجمجمة بسبب اكليل ( طاقية ) الشوك لحد الرقبة مثلما يقول الكتاب المقدس على لسان التلميذ متى "وضفروا اكليل شوك ووضعوه على رأسه " (متى 27: 29 )" لأن شوكة الموت هي الخطيئة " ( 1كو 15: 56) .
4- كما توجد مجموعة جراحات الظهر ( 90-120) نقط سوداء في مجامع ثلاثية من محور افقى الى أعلى بشكل مروحي نتيجة عملية جلد السياط " أما يسوع فجلده " (متى 27 : 26 ) وفي انجيل يوحنا يقول " أخذ بيلاطس يسوع وجلده " ( يو 19 : 1 ) وتحققت النبوة " على ظهري حرث الحارث ( مز 129 : 3 ) .
5- السوط المستخدم في الجلد سوط روماني معروف باسم( Flagrun Texeukaty ) وهو رهيب يتكون م 3 سيوط جلدية وكل سير ينتهي بكرتين من الرصاص او العظم وقطر كل كرة 12 ملم .
6- من الواضح أن السيد المسيح جلد وهو منحني الظهر الى الأمام لأن هذه الحالة تنساب فيها الدماء من جروح الكتف في الاتجاه العرضي ( الواضع في الكفن ) ثم انتصب بجسمه الى فوق الذي نرى اتجاهاً رأسياً للدماء النازلة ويديه ممتدتين للأمام ومرتكزتين على عمود قصير طوله 64 سم ومن الظهر نعرف أن الجلد تم بواسطة رجلين محترفين في الجلد والرجل الذي على اليمين كان أطول وحبه للانتقام اشد واكبر ، كما نلاحظ أن الجلاد الأيسر ركز ضرباته على الجانب الأيمن للجزء العلوي من الظهر بينما وجه الايمن أغلب جلداته على الساقين وجزء من الكتف الايسر ولاحظ العلماء ان مساحة الجلدات في منطقة الكتفين داخل مساحتين أكبر من اللحم المهترئ نتيجة لحمل شئ ثقيل وخشن وفي ذلك يقول الكتاب المقدس " وخرج وهو حامل صليبه " ( يو 19: 17 ) كما لاحظ العلماء ان الرب حمل الصليب ولم يكن ظهره عارياً والكتاب يقول ان ارب قد ارتدى ملابسه بعدما جلد وقبل ان يحمل الصليب ( متى 27 : 2،31 ) .



حت 7- تحت قمة الكتفين وجود شكل رباعي 10 X 8.5 سم على الكتف الايمن واقل منها في المنطقة الأخرى ويمثل تسلخات من جراحات السياط .
8- وجود تسلخات عميقة في ركبتي صاحب الكفن وكدمات في الركبة اليسرى وأصغر منها في الركبة اليمنى ، تسلخات في صابونه الركبة نتج عن ارتطامها نتيجة سقوط المسيح تحت الصليب عدة مرات (مت 27 :32 ) (مر15: 21 ) و(لو 23: 26 ) .
9- واتضح للعلماء وجود ركيزة سفلية للرجلين لانثنائما لكي لا يموت سريعاً ويستطيع رفع الجسم للتنفس .

D رأس الحربة التي تم طعن جنب المسيح بها .

E مكان دخول المسمارعند الصلب .
E

1- آثار دماء اكليل الشوك (منسابه على الوجه وتظهر على الرأس بلون يدل على امتزاجها بالعرق ).
2- آثار البصاق ؟
3- دماء ظاهرة على الشفة العليا للفم .
4- دماء تنزف من الجانب الأيمن للفم .
5- شعر اللحية ويبدو الجانب الأيمن أقل من الأيسر لحدوث نتف اكثر به .
6- الخد الايمن منتفخ بسبب اللطم .
7- آثار الانف ويظهر حدوث ازاحة لنهايتها نتيجة لحدون انتفاخ في الخد الايمن .
8- تهشم غضروف الانف نتيجة اصطدامها بالصخر عند سقوط المسيح بالصليب .
9- تورم ورضوض في الحاجب الايسر ومنطقة عظام الخد الايسر نتيجة السقطة الأولى بالصليب
10- رضوض وتورم في الحاجب الايمن وعظام الخد الايمن نتيجة للسقوط بالصليب .
11- تورم منتصف الجبهة نتيجة للضرب بالقصبة .



موت المسيح:-
يدل الكفن أن الرب لم يمت بالاختناق والدليل على ذلك أن البطن بارزة للأمام والكتف الايسر أعلى من الأيمن وهذا دليل على أنه مات في الوضع والقفص الصدري الى أعلى أي في حالة شهيق والاختناق لا يتم إلا في الوضع الهابط للجسم أي في الزفير ، كما ان تنكيس الرأس لا يحدث للجسم في الوضع السفلي وهذا يطابق الكتاب إذ يقول " ونكس رأسه وأسلم روحه " ( يو 20 : 30 ) وتنكيس الرأس ثم اسلام الروح يدل على أنه مات بارادته كقوله " ليس أحد يأخذها ( روحه الانسانية ) مني بل أضعها أنا من ذاتي لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضاً هذه الوصية قبلتها من أبي (يو 10 : 18 ) والموت حدث نتيجة انفجار في القلب وتقطع الشرايين في جسد المسيح لأن المسيح كان يصنع حركة تأرجحية لأسفل ولأعلى علماً أن عملية الشهيق والزفير حوالي 15 مرة في الدقيقة واستمرت لمدة 3 ساعات فالنتيجة حوالي 2700 مرة كانت عملية التأرجح ، وهذا كان يشكل ضغطاً هائلاً على اليدين والقدمين حيث توجد المسامير والضاغطة على أعصاب الرسغ والقدمين لقد ارتفع الرب يسوع بجسده الى أعلى مائلاً ناحية اليمين وبطنه بارزة للأمام محملاً غالبية وزنه على الذراع الأيسر ، والمسامير في اليدين في الرسغ وليس في راحة اليد حتى يتحمل ثقل الجسم ويتضح عدم ظهور الابهام بالكفن نتيجة انقباضه بسبب لمس المسمار للعصب الأوسط وهو أكبر الأعصاب وتم وضع المسامر في المعصم في الفراغ الذي يعرف طبياً ( بفراغ ديستوت ) وهو الفارغ المحاط بالعظم ، وبالتالي لا يكسر أي عظم منه كما يقول الكتاب " وعظم لا يكسر منه " ( يو19 : 36 ) والمسمار طوله 18 سم وتم تسمير الرجلين بمسمار واحد بوضع الرجل اليسرى فوق اليمنى ومسمار القدم يأخذ شكل متوازي مستطيلات ، ويخترق مشط القدم بين السليمات الثانية والثالثة ، واستندت الرجلين على ركيزة سفلية حي لا يموت سريعاً ويستطيع رفع الجسم للتنفس ، وأما عن طريقة كسر السيقان التي حدثت مع اللصين فهي للتعجيل بموتهم قبل السبت ، ولكن وجد الجند السيد المسيح قد مات فلم يكسروا ساقيه وكان هذا بتدبير الهي :1- ليبين انه مات باختياره في الوقت الذي حدده هو وليس بسبب كسر ساقيه 2- ولتتم النبوة قائلة " يحفظ جميع عظامه واحد منها لا ينكسر " ( مز 34:20 ) 3- وليكمل الرمز اذ أن خروف الفصح الذي كان رمزاً للسيد المسيح كان عظم من عظامه لا يكسر ( خر12 : 46 ) .

طعن الحربة : يقول الكتاب " لكن واحداً من العسكر طعن جنبه بحربة وللوقت خرج دم وماء " ( يو19 : 34 ) طعن الحربة تم في الجانب الايمن وطوله حوالي 4.6 سم وارتفاعه 1.1سم بين الضلع الخامس والسادس على شكل تمزقات دائرية يتخللها مناطق خالية من الدماء مع سائل صاف (دم وماء) ويقول التقليد أن طاعنه كان القائد لنجينوس وكان بعين واحدة وعندما طعن السيد المسيح بالحربة سقطت نقطة دم على عينه المغلقة فأبصر لساعتها فآمن بالرب هو وبعض الجنود حوله وقام باعلان ايمانه حتى مات موت الشهادة وبذلك تمت نبوة زكريا قائلة " فينظرون الى الذي طعنوه " (زك 12 : 10 ) والتي اشار اليها القديس يوحنا الانجيلي بقوله " هوذا يأتي على السحاب وستنظره كل عين والذين طعنوه (رؤ 1: 7 ) .

السبب في نزل الدم والماء معاً:-
الدم : ( اذا طعنت في الجانب الايسر لما سال الدم مطلقاً لأن البطين يكون غالباً فارغاً من الدماء عقب الموت ولكن الأذين الايمن يكون ممتلئاً بالدم السائل الذي ينبع من الوريد العلوي الاجوف والسفلي .
الماء : ( نزل ماء من السائل التيموري للقلب والموجود في الانسان كملعقة شاي وزادت نتيجته لللآلآم الشديدة والارهاق ) وهناك رأي آخر يقول أن السائل قد انسكب من الكيس البلوري والمحيط بالرئتين وهو الذي سبب نزول الدم الغليظ القوام ثم نزول الماء الاخف ( وهو راي د. انتوني سافا ) وهذا المعجزة تؤكد ان الذي مات على الصليب ليس انساناً عادياً وإنما هو الاله المتجسد وإن مات بناسوته فهو حي بلاهوته المتحد بناسوته .
وصار أثر الحربة مع المسامير دليلاً على قيامته كما حدث مع توما الرسول عندما شك في قيامته .
وفي القداس الالهي يشير الماء الساخن الذي يضعه الكاهن في الكأس المقدسة الى الماء الساخن الذي خرج من جبن السيد المسيح بعد طعنه وهو على الصليب ويتناول ابريق الماء الحار ( المعروف بالزاون ) ويقول الكاهن : بارك يا سيد الماء الحار فيباركه الكاهن قائلاً مباركة حرارة قديسيك كل حين الآن وكل أوان والى دهر الداهرين فيقول الشماس آمين ويسكب في الكأس المقدسة من الماء الحار على شكل صليب ما يكفي قائلاً : حرارة الايمان مملوء ة من الروح القدس آمين .

معجزة صورة الكفن:-
وهي طبعت بصورة معجزية نتيجة لقوة الحرارة والضوء الشديد المنبعث من الجسد المقدس لحظة قيامته المقدسة ، ويرى علماء اللاهوت أن القوة التي خرجت من الجسد مثلما حدثت خلال خدمته على الارض والتي كانت تشفي الامراض مثلما حدث مع المرأة النازفة .

أدله لكفن المسيح:-
توصل علم الحفريات أن هذا الكفن هو للمسيح له المجد عن طريق الآتي:-
1- اللحية وخصلة الشعر الطويل تدل على أن المصلوب يهودي وهو المسيح
2- السوط روماني انظر ما كتب سابقاً
3- الحربة روماني واسمها( لانسيا ) وهي المستخدمة في طعن جنب المخلص لأنها تصنع نفس جرح الحربة الموجود بالكفن وهو القوس الناقص .


طريقة الدفن:-
- هي بسط الكفن من أسفل الجسم الى اعلى بالطول ، وكان بسبب التكفين بهذه الطريقة انطباع الصورتين ( الأمامية والظهرية بالكفن )
- المسيح لم يغسل قبل التكفين نظراً للوقت الذي استغرقه يوسف الرامي في مقابلة بيلاطس البنطي قبل بدء الاستعداد للسبت ووضع الحنوط عليه
- النسوة عدن فجر الاحد لتكميل عملية التكفين (لو 23: 56) لأنهن اشترين قبل السبت الحنوط بكمية غير كافية وبسبب اغلاق محلات البيع والشراء لدخول يوم السبت فاشترين الحنوط بعد السبت .
- الكتاب المستخدم هو من فترة السيد المسيح مصنوع بطريقة خاصة في صناعة الحرير فهو عبارة عن ثلاث خطوط وخط واحد فوقه ، مما يدل على أنه من النوع الغالي والثمين .
- صورة الكفن ليست نتيجة لاستخدام الصبغات ولا يتدخل فيها أي عنصر بشري ولا توجد فيها أي مواد تلوين ( كالزيت والشمع ) ولا توجد بالكفن أي اماكن مشبعة أكثر من غيرها باللون مثل الرسم العادي ولا توجد آثار لاي حركة يد الرسام .
- صورة الكفن ثلاثية الابعاد أي أن كل نقطة فيها ثلاث أبعاد من المحاور الرئيسية الثلاثة المتعامدة .
- عدم وضوح الصورة عن قرب تؤكد عدم رسمها باليد .
- ثبات الصورة في الحرارة والماء حيث لم يحدث اختلافات في كثافة اللون كذلك ثبات الصورة كيمائياً لأن العلماء استخدموا الاحماض والمذيبات العضوية لازالة اللون الأصفر من الشعيرات ولكن دون جدوى
- الدماء حقيقية _(أي دماء بشرية) لأسباب وجود البروتين والحديد وهو احدى مكونات الدم ،وهو واضح باستخدام الاشعة السينية وأخيراً موت المسيح اثبت انسانيته وأما قيامته فأثبتت الوهيته .


آخر الأبحاث عن الكفن:-
في نيسان 2004 عندما أعلنت مجلة البصريات Journal of Opties المرموقة عن اكتشاف وجه ثان للمسيح على الجزء الخلفي من الكفن ، أحدث هذا الامر ضجة كبيرة واهتماماً مجدداً بالكفن ، والسؤال الكبير هو كيف وصلت الصورة الى هناك ( الجزء الخلفي من الكفن ) لأن الصورة المكتشفة حديثاً هي بتطابق تام مع صورة وجه المسيح على الجزء الأمامي من الكفن ، هذا يعني أنه أذا تم تمرير ابرة أو دبوس من خلال جزء معين من الوجه فإن الإبرة سوف تخرج من الجهة الأخرى في نفس موقع الجزء المعين ،ولكن إن قمت بسحب بعض الخيوط بواسطة الابرة من ذلك المكان فإن لن ترى أي صورة على هذه الخيوط الدقيقة، صورة المسيح موجودة فقط على السطح، ولم يتغلغل أي شئ من الأمام الى الخلف ليكون الصورة المكتشفة حديثاً على جهة الكفن الخلفية ومن المثير للدهش تطابق إيقونات السيد المسيح مع صورته بالكفن وهذه الصور المبينة لم يتم فيها أي تغيير جرافي أو مونتاج أو أي عمل من أعمال الزخرفة او الطباعة إنما أخذت بنفس الأبعاد التي موجودة فيها، لنلاحظ مدى الدقة بين الصورة الكفن والإيقونة.




مدخل إلى السندونولوجيا أو عِلم كفن المسيح

ما هو كفن المسيح؟

من بين أشدّ الأمور غموضًا في عالمنا، كفن المسيح المحفوظ في مدينة تورينو- إيطاليا، الذي يدعو إلى العجب والحيرة، وقد شغل بال العديد من العلماء، وما زال يحتلّ قسطًا وافرًا من وقتهم وأبحاثهم. وأغرب ما في الأمر، بقاء هذا الكفن سالمًا من الفساد والاهتراء، بالرغم من مرور حوالي ألفي سنة عليه، بحسب تقدير العلماء، ما أدّى إلى ازدياد الاهتمام بشأنه، لا سيّما عند أبناء تورينو، الذين يعتبرونه ذخيرة ثمينة يتناقلونها كالإرث، ويحرصون على حمايته كحدقة العين. هذا بالإضافة إلى الوفود التي، على مرّ العصور، قَدمت بدافع الإيمان والتقوى أحيانًا، وبدافع الحشرية العلميّة وحبّ المعرفة والاكتشاف، أحيانًا أخرى، لمشاهدة الذخيرة الأهمّ في الكنيسة الكاثوليكيّة.
أمّا أهميّة هذا الكفن، فتعود إلى الآثار التي تبدو عليه، وهي تُشير إلى أنّه استُعمل لتكفين جثمان رجل تَعرَّض لآلام مبرّحة: جُلد جسمه، وكُلّل رأسه بالشوك، وصُلب تعليقًا بالمسامير، وطُعن بحربة في جنبه، علاوةً على كدمات وجراح ونزف دمويّ هائل، ساهم في حصول الوفاة.



تعريف السندونولوجيا

كان لا بدّ من إيجاد كلمة واحدة للدلالة على الاختصاصات المتنوعة التي استعان بها العلماء لدراسة كفن المسيح. إنّ الراهب السالسي بياترو سكوتي Don Pietro Scotti s.d.b ، الأستاذ في جامعة جَنوى-إيطاليا، هو الذي أطلق الكلمة المنتظرة، في مقالة له، صدرت العام 1976، جاء فيها: "إنّ دراسة الكفن غير ممكنة من دون العودة إلى نظرة شاملة لجميع الموادّ العلميّة المتعلّقة به. لذلك اقترحتُ، على أثر مؤتمر تورينو، الذي انعقد العام 1939، كلمة "سندونولوجيا" للدلالة على العلم الحديث الذي يجمع الاختصاصات المتنوعة في دراسة الكفن ويؤلّف بينها"(1). والكلمة سندونولوجيا متأتية من اللغة اليونانية ومركبة من كلمتين: سندون أي كفن، ولوجيا أي عِلم. في هذا السياق أُطلق على عالِم الكفن تسمية سندونولوغ sindonologue بالفرنسيّة أو sindonologist بالإنكليزيّة. وأصبح هذا التعبير مقبولاً ومعتمدًا من الجميع.

لقد قيل إنّ كلمة سندون Sindon متأتية من سيدون Sidon نسبة إلى مدينة صيدا اللبنانية، حيث يُمكن أن يكون الكفن قد حيك على النول. لمّا رأى عالِم الآثار موريس بييه Maurice Pillet صورًا لكفن المسيح قال: "لم تُحَك هذه القماشة في أورشليم، لقد صُنعت في منطقة صيدا". ولمّا قيل له إنّه استنتج ذلك بسبب التسمية اليونانية للكفن، قال: "لم أنتبه إلى هذا الأمر أبدًا. إنّ رؤية القماشة فقط أودى بي إلى هذا الاستنتاج". والمعروف عن العالِم المذكور أنّه من كبار الاختصاصيين في الأقمشة القديمة، وهو مَن قام بالتنقيبات الأولى في دورا أوروبّس (الصالحيّة - سوريا)، وعمل حافظًا في الكرنك والأقصر في مصر(2).

ولا غرابة في اعتماد هذه الطريقة لتحليل اشتقاق كلمة سندون، إذ أنّ هناك أمثلة عديدة مشابهة: قماشة تول Tulle نسبة إلى مدينة تول في فرنسا؛ وقماشة موسلين Mousseline نسبة إلى مدينة الموصل في العراق؛ وقماشة دمسكوس Damascus نسبة إلى مدينة دمشق في سوريا. .

تكفين المسيح المائت بعد إنزاله عن الصليب.
(أعمال الرسّام جيوڤاني باتيستا ديللا روڤيري 1561-1627، 55سنتم×44سنتم، معرض سابودا، تورينو)
كفن أم منديل؟
أُطلقت على الكفن، في الماضي، تسمية "المنديل المقدّس" le Saint Suaire . لكنّ هذه التسمية ليست دقيقة، ولا تُستعمل اليوم بين الاختصاصيين، كَون كلمة suaire تعني قطعة من القماش بقياس المنديل، تُستعمَل لمسح العرَق sueur عن الوجه أو الجبين، في حين أنّ ما في تورينو هو قطعة من القماش أكبر بكثير، استُعملت للفّ انسان ميت.
يُخبرنا إنجيل مرقس (16 : 1-8) أنّ بعض النسوة، حاملات الطيب، أَتين القبر يوم الأحد لإكمال ترتيبات الدفن، ولكنّهنّ رأين الحجر قد أُزيل عن القبر، فأسرعن يخبرن الرّسل بالأمر. ركض بطرس ويوحنا إلى القبر، فدخل بطرس أولاً، و"أَبصر اللفائف ممدودة، والمنديل الذي كان حول رأسه غير ممدود مع اللفائف، بل على شكل طوقٍ خلافًا لها، وكان كلّ ذلك في مكانه" (يوحنا 20 : 6-7)
من هنا، يتوجَّب علينا التمييز بين اللفائف والمنديل. فالمقصود باللفائف شيئان:
- الكفن، وهو قطعة مستطيلة من الكتّان، يُمدَّد عليها الجثمان، وتكفي لترتدّ عليه وتغطّيه كليًّا.
- الرباطات أو العصائب، وهي قطع من القماش، قليلة العرض، تُستعمل لربط اليدين والقدمين، ولربط الكفن حول الجثمان، عددها لا يتجاوز عدد أصابع اليد.
أمّا المنديل، فهو قطعة صغيرة من القماش، كان يلقيها بعضهم على وجه الميت، لِسَتر العيون وامتصاص العَرَق؛ وبعضهم الآخر، كان يربطها حول الرأس كي يشدّ الفكَّين ويمنعهما من الارتخاء mentonnière ، فلا يبقى فم الميت مفتوحًا؛ ومنهم مَن قال أنّه استُعمل بشكل قناع cagoule .
في كلّ الأحوال، لا يوجد أيّة علاقة بين هذا المنديل الوارد ذكره في الإنجيل، و“منديل فيرونيكا” الذائع الصيت، الذي سنتكلّم عنه في مكان آخر.



تكفين الميت أم لفّه كالمومياء؟
غالبًا ما يظنّ الناس أنّ رجل الكفن قد لُفَّ جثمانه على طريقة المومياء، التي مارسها المصريّون، قديمًا، في دفن موتاهم، وهي تفترض تحنيطًا مسبقًا، أي تجويف الجثمان لنزع الأحشاء منه، وحقنه بالمواد الحافظة، ثمّ لفّه برباطات عديدة، قليلة العرض، من قمّة الرأس حتّى أخمص القدمين. غير أنّ الآثار البادية على الكفن، موضوع بحثنا، لا تُشير إلى إمكانيّة تحنيط الجثمان قبل وضعه فيه، بالإضافة إلى الفرق الشاسع، في الشكل والمقاييس، بين الكفن والرباطات.
لم يستعمل اليهود طريقة المومياء، الشائعة لدى المصريين، في دفن موتاهم، إلاّ في حالة اثنين من الآباء اللذين ماتا في مصر، فحنّطوهما ووضعوهما في تابوت، وهما:
- يعقوب أو إسرائيل، إبن اسحق، إبن ابراهيم: "أَمر خدّامه الأطباء أن يحنّطوا أباه، فحنّط الأطباء إسرائيل" (تكوين 50 : 2).
- يوسف، إبن يعقوب: "مات يوسف وهو ابن مئةٍ وعشرِ سنين. فحنّطوه وجُعل في تابوت بمصر" (تكوين 50 : 26).
أمّا طريقة اليهود في دفن موتاهم، التي كانت شائعة أيّام المسيح، فكانت تبدأ بغسيل الجسم (أعمال 9 : 37)، يليه تلبيس الميت ثيابه، ثمّ نقله إلى محملٍ حيث يودع القبر. وفي الإنجيل مجموعة من الروايات توحي لنا بهذه الترتيبات: إحياء لِعازر (يوحنا 11 : 44)، إحياء إبن أرملة نائين (لوقا 7 : 14 – 15)، بطرس يشفي مقعدًا في اللدّ (أعمال 9 : 34)، بطرس يُحيي طابيتة في يافا (أعمال 9 : 40 – 41).
في حالة المسيح الميت على الصليب، إستعمل اليهود طريقة تكفين خاصّة وموقتة، نظرًا إلى عدم وجود الوقت الكافي لإجراء مراسم الدفن العادية والكاملة، مع اقتراب يوم السبت، الذي كان يمتنع فيه اليهود عن القيام بأيّ عمل يدويّ، أو الانتقال من مكان إلى آخر، ولو لبضعة أمتار. يبدأ مفعول المنع مساء الجمعة، مع مغيب الشمس وبدء تلألأ النجوم، ويستمرّ طوال اليوم التالي. هذا بالإضافة إلى أمر الشريعة بأن "لا تَبِت جثّته على الشجرة، بل في ذلك اليوم تدفنه" (تثنية الاشتراع 21 : 23). لذلك، نرى النسوة يبكرن إلى القبر يوم الأحد لإكمال ترتيبات الدفن، من غسيل الجسم والدهن بالطيوب، التي لم يستطعن القيام بها يوم الجمعة مساءً.




وصف كفن المسيح


المذبح الجانبي في كاتدرائية القدّيس يوحنا المعمدان – تورينو حيث يوجد مَذخر الكفن
Aldo Guerreschi ©
المَذخر


إنّ مَن يدخل كاتدرائية القدّيس يوحنا المعمدان في تورينو ليشاهد الكفن، لا يلبث أن يخيب أمله، إذ أنّه لن يرى الكفن معروضًا، فالمسؤولون عنه حريصون على المحافظة عليه، ويتجنّبون عرضه بشكل دائم، خوفًا من أعمال إرهابيّة تطاله، ومن الضرر الذي سيلحق به نتيجة تعرّضه، لمدّة طويلة، للنور وللعوامل الطبيعيّة المختلفة. لذلك يحافظون عليه ملفوفًا في مَذخر كان، سابقًا، فوق مذبح الكاتدرائية الرئيسي، لكنّهم اضطرّوأ لنقله إلى مكان آخر، وراء المذبح الرئيسي، في 24 شباط 1993، بسبب أعمال الترميم الجارية على سقف الكاتدرائية وحيطانها، فوضع الكفن، المحفوظ في مذخره التقليدي، في غرفة زجاجيّة مقاومة للنار والرصاص.

في ليلة 11 نيسان 1997، إندلع حريق ضخم في الكاتدرائيّة، أسبابه المباشرة غير معروفة بعد، ما اضطرّ عناصر الدفاع المدني الذين هرعوا إلى مكان الحريق، إلى نقل المذخر، والكفن المحفوظ فيه، إلى دارة الكردينال القريبة.
وفي شهر تشرين الثاني من العام 2000، إثر الانتهاء من العرض العلني الذي أقيم بمناسبة اليوبيل الكبير، أودع الكفن في أريكة خاصّة، صنعتها شركة ميكروتكنيكا Microtecnica الإيطاليّة، حيث تمّ بسط القماشة عليها، في جوّ من الغاز الخامل. ثمّ وضعت الأريكة في مَذخر جديد، صنعته شركة ألينيا Alenia الإيطالية للملاحة الجويّة، خفيف الوزن، ذهبيّ اللون، مقاوِم للحريق، فوقه غطاءٌ فاخر، كُتب عليه باللاتينية ما معناه: "يا إلهنا، إنّنا نُكرّم كفنك المقدّس، ونتأمل في آلامك".


مَذخر الكفن المقدس الجديد
Aldo Guerreschi ©

القماشة

صورة مكبرة للكفن تظهر فيها الخيوط وعليها آثار الدم
إنّ الكفن مصنوع من كتّان، يُقال له بالفرنسيّة Lin ، وبالانكليزية Flax ، وهو أنواع. من المرجّح أنّ النوع الذي استُعمل في نسيج الكفن هو كتّان برّي Linum angustifolium ، وهو غير كتّان شائع Linum usitissimum ، المعروف بالكتّان الزراعي الصناعي المشهور.

إنّ حالة الكفن جيّدة، ولا يتأثر بالشَدّ أو الفَرك، ولونه مائل إلى الاصفرار، كلون التبن، ويبلغ طوله 4,42 مترًا، وعرضه 1,13 مترًا.

إنّ طريقة النسج من نوع "السرجه" ذي القطبات المتعرّجة، حيث يمرّ كلّ خيط في "اللحمة" تحت ثلاثة خيوط منها، وذلك بالمداورة، وبموازاة أوّل خيط زاوية، ومن ثمّ يَعبر فوق خيط من "السداة"، ليعود بالاتجاه المعاكس، وبموازاة خطّ الزاوية الثاني، راسمًا نسيجًا مصلّبًا.

إذا أمعنا النظر في قماشة الكفن، نرى أنّها مؤلّفة من قطعتين متلاصقتين، واحدة أساسيّة كبيرة، وأُخرى جانبيّة صغيرة، تمتدّ على طول القماشة، مرتبطة بعضها البعض بخيط من كتّان. طول القطعة الأساسيّة 4,42 مترًا، وعرضها 1,04 مترًا. أمّا القطعة الجانبيّة، فطولها 3,87 مترًا، وعرضها 9 سنتيمترًا، إذ هي ناقصة عند الأطراف: 16 سنتيمترًا من جهة، و38 سنتيمترًا من الجهة الأخرى.

تتكوّن القطعة الجانبيّة من الكتّان، وحيكت بالطريقة ذاتها التي حيكت بها القطعة الأساسيّة، لكنّ مواصفات خيوطها مختلفة. لا ندري بالظبط من أين أتت، ولا إذا كانت أُضيفت لاحقًا، ولا نعرف كيف ومَن اقتطع الأطراف الجانبيّة.


حتّى العام 2002، حين بدأت عملية الترميم الأخيرة للكفن، لم يكن بالمستطاع معاينة الجهة الخلفيّة للنسيج، بل كان العلماء والزوّار يكتفون بمعاينة الجهة الأماميّة فقط، حيث آثار الإنسان المصلوب، وذلك لسببين:

1- وجود بطانة، سمّيت "بطانة هولنده"، خيطت بالقطبة الصغيرة، العام 1534، بيد الراهبات الكلاريات، بهدف شدّ نسيج الكفن عليها، لتلتصق به تمامًا، وتصبح سندًا له، وبالتزامن مع الرقع التي وضعتها الراهبات على الخروق التي سبّبها الحريق في شامبيري.

2- وجود غطاء من المخمل الأحمر، غير ملتصق بالكفن، وضعته الأميرة كلوتيلد دي ساع¨وا، العام 1868، بدلاً من الغطاء الأسود اللون الذي كان قد وضعه الطوباوي سيباستيان ع¨الفريه، بطريقة غير موفقة، في العام 1694

العلماء يسترقون النظر إلى الجهة الخلفية من الكفن، في العام 1978. من الشمال إلى اليمين: راي روجرز – جون جاكسون – جيوع¨اني ريجي (رئيس الفريق الإيطالي الذي تعاون مع الستارب) – لويجي غونيلا (المستشار العلمي لرئيس أساقفة تورينو)
في العام 1978،إستطاع علماء الستارب استراق النظر إلى الجهة الخلفية من النسيج، بعد أن حصلوا على الإذن لفكّ بعض القطب من "بطانة هولنده"، بطول 8 سنتم، قامت به إحدى الراهبات الكلاريات، أيضًا، من دون التمكن من معاينة شاملة ووافية للجهة الخلفيّة.
لكنّه، في العام 2002، تمّ نزع الغطاء الأحمر وفكّ "بطانة هولنده"، فتمكن العلماء من إجراء مسح شامل بواسطة السكانير للجهة الخلفيّة للكفن، ثمّ وضعت بطانة جديدة من الكتّان، ذات اللون العاجي، لم تخضع لأيّة عملية تبييض أو تلوين اصطناعي، خيطت على الجهة الخلفية بطريقة محترفة.




آثار جسم الإنسان

من الآثار اللافتة على قماشة الكفن هي شكل إنسان، نرى جسمه كاملاً من الأمام، يداه الواحدة فوق الأخرى، رجلاه ممدودتان، شعره مُسدَل على وجهه، له شاربان، ولحية منتوفة في الوسط. كما نراه كاملاً من الوراء، تنتشر على طول جسمه بقعٌ حمراء من الدم، أشدّ كثافة عند مؤخّر الرأس.
إنّه شكل إنسان مصلوب، في يداه ورجلاه أثرٌ لمسامير، وعلى رأسه آثار نزيف قويّ ناتج عن غرز أشواك (؟) حادّة فيه، وعلى ظهره علامات جَلد، وفي جنبه الأيمن أثر طعنة حربة. وقد أكّد ذلك أطباء الأدلّة الجنائية المتخصّصون بتشريح الجثث.
الآثار الأخرى

إنّ مَن ينظر إلى الكفن، يسترعي انتباهه، للوهلة الأولى، خطّان باللون القاتم، على طول القماشة، وهذا ناتج عن الحريق الذي تَعرَّض له الكفن في 4 كانون الأوّل العام 1532، عندما كان محفوظًا في مدينة شامبيري - فرنسا Chambéry . فقد كان مطويًا داخل خزنة صغيرة، وموضوعًا في كنيسة تلك البلدة. أُنقذ الكفن من الحريق ولكن، لشدّة الحرارة، سقط قسمٌ من غطاء الخزنة على الكفن فخرقه، كما أنّ جهة من الكفن "تشوشطت"، فظهر ذلك بشكل خطَّين باللون القاتم لَمّا فُرش الكفن. أمّا الخروق فبلغ عددها 30.
ونلاحظ أيضًا خطوطًا طويلة وقصيرة، ناتجة عن طيّ القماشة التي حُفظت مدّة طويلة على هذا الشكل. ونلاحظ بعض الثقوب الصغيرة، بشكل L ، التي قيل إنّها ناتجة عن محراك للحطب (محكشون) غرزه أحد المشكّكين ليمتحن به قدرة القماشة على الصمود بوجه النار، لذلك سُمّيت Poker holes .
وهناك أيضًا آثار بقع صغيرة من الماء، على طول الخطين القاتمَي اللون، حصلت من جرّاء الماء الذي قُذف على الكفن من قِبَل الذين قاموا بإخماد حريق العام 1532. أمّا بقع الماء الأخرى الكبيرة، الظاهرة في وسط الكفن - عددها خمسة - والصغيرة، الظاهرة على الجوانب - عددها ستة في كلّ جانب- فهي ناتجة عن حدث آخر، لأنّ آثارها على القماشة لا تتوافق مع آثار الطيّات التي كانت موجودة حين حصول الحريق. لا نعرف بالظبط طبيعة هذا الحدث، ولا متى حصل، لكنّه قديمٌ حتمًا.









آثار بقع الماء
Aldo Guerreschi ©

خلاصة
بالرغم من أضرار الحريق والعلامات الفارقة، فإنّ شكل الإنسان ما زال واضحًا، ولمعاينته، وجب علينا حصر النظر ما بين الخطَّين القاتمَي اللون، على مسافة أبعد من مترين، وأقرب من عشرة أمتار. ولا يسعنا إلاّ التأسّف على تلاشي الآثار مع الزمن، إذ بدأت تفقد من وضوحها، ويُخشى أن تزول في حال لم يتمكّن العلماء من إيجاد الطريقة الفعّالة للمحافظة عليها.







ميزات كفن المسيح

هناك أربع ميزات ينفرد بها كفن المسيح المحفوظ في تورينو، ويتميّز بها عن باقي الأكفان، الحديثة أو القديمة، الموجودة في المتاحف العالميّة. وهذه الميزات هي:
1- آثار جسم الإنسان
إذا نظرنا إلى الكفن المعروض أمامنا، نرى عليه آثارًا واضحة ونقيّة لشكل إنسان كامل من الأمام، يداه الواحدة فوق الأخرى، رجلاه ممدودتان، شعره مسدل على وجهه، له شاربان ولحية منتوفة في الوسط. كما نراه كاملاً من الوراء، تنتشر على طول جسمه بقع حمر من الدم، أشدّ كثافة عند مؤخّر الرأس. إنّه شكل إنسان مصلوب، في يديه ورجليه أثرٌ لمسامير، وعلى رأسه آثار نزيف قويّ ناتج عن غرز أشواك (؟) حادّة فيه، وعلى ظهره علامات جَلْد، وفي جنبه الأيمن أثر طعنة حربة. هذا الإنسان الذي لُفَّ به هذا الكفن عانى العذابات ذاتها التي عاناها المسيح، والمكتوبة في رواية الآلام في الإنجيل، ما دفع البعض إلى القول بأنّ الكفن هو إنجيل جديد خامس، يبيّن لنا بالصورة، ما ورد كتابة في الأناجيل الأربعة الأخرى، وكأنّه يثبّت الوصف الكتابي بالصورة الحيّة.




2- الخلو من بقايا اهتراء الجسد
إذا تفحصنا الأكفان التي تَلفّ أجساد الأموات، نرى في جميعها، بقايا الجسد المتحلّل. أمّا في كفن تورينو، فلا نجد فيه شيئًا من هذا القبيل، ولا أدنى أثر للإفرازات وللمواد المعروفة التي تبقى عادة بعد تحلّل الجسد. إنّ الرجل الذي لُفَّ به كفن تورينو، تمكّن من الإفلات من الموت قبل أن تبدأ عمليّة تبريد الجسد، ثمّ تفكّكه وتحلّله، فغادر الكفن، بطريقة غير مألوفة، تاركًا شكل جسده الكامل، وآثار الجروحات التي عليه.

3- الپوسيتيف / النيغاتيف
إنّ المحامي الإيطالي سِكُندو پِيّا (†1941) الذي قام بتصوير الكفن للمرّة الأولى، ليلة 28 أيار 1898، هو الذي اكتشف هذه الميزة. ففي الفنّ الفوتوغرافي عادة، يُعتبَر الشخص الذي نراه بالعين المجرّدة صورة إيجابيّة-پوسيتيف، تتحوَّل في فيلم التصوير، الموجود داخل الكاميرا، إلى صورة سلبيّة-نيغاتيف، حيث تنعكس الألوان والاتجاهات، فيصبح اللون الفاتح غامقًَا، واللون الغامق فاتحًا، وتتحوّل اليد اليمنى مثلاً إلى يسرى،



بوسيتيف
نيغاتيف


واليسرى إلى يمنى. في المختبر، يحوّل المصوّر الصورة السلبيّة إلى الصورة الإيجابيّة، بواسطة التحميض والتظهير، فيَظهر لنا شكل الشخص على حقيقته، كما لو رأيناه بالعين المجرّدة.
أمّا المحامي پِيّا فقد رأى، في الصورة السلبيّة، ما كان يُفترَض أن يراه في الصورة الإيجابيّة، أي أنّه رأى صورة الجسم على حقيقته، كما لو رآه بالعين المجرّدة، فبدا مذهولاً للأمر. وحتّى اليوم، لم يكتشف الخبراء كيفيّة حصول هذه الظاهرة على هذا الشكل.



بوسيتيف
نيغاتيف

4- الأبعاد الثلاثة

بالرغم من أنّ آثار الجسم على الكفن المسطَّح تبدو في بعدين، لكنّها تحتوي على عناصر الشكل ذي الأبعاد الثلاثة، ومكّنت بعض العلماء من استخراج صورة واضحة وملموسة، ليس بالإمكان الحصول عليها من أيّة صورة عادية أخرى في بعدين. فبعد النتيجة الأولى التي حصل عليها العالِم الفرنسي پول غاستينو، العام 1973، بواسطة أشعّة اللايزر، قام العلماء الأميركيون جون جاكسون وإريك جامبر وبيل موترن، في العام 1978، بتحسين النتيجة، إذ استعملوا آلة VPeight الخاصّة من صنع النازا NASA . ثمّ أتى العالِمين الإيطاليين، طَمبورللي وبالوسّينو، اللذين تَوصّلا إلى تنقيح الصورة بواسطة الكمبيوتر. تلاهما العالِم الإيطالي أَلدو غويريسكي الذي، باستعماله الفنّ الفوتوغرافي فقط، من دون اللجوء إلى أيّة آلة أو طريقة أخرى، تَمكّن مؤخرًا من الحصول على صور رائعة للكفن المقدّس بالأبعاد الثلاثة.


John Jackson ©
G. Tamburelli ©
Aldo Guerreschi ©




ماذا يقول التاريخ

يجدّ المؤرّخون في البحث عن أكبر عدد ممكن من الوثائق لرسم مسيرة كفن تورينو المتواصلة، وتنقلاته عبر الأماكن والأزمان. فمن قبر أورشليم الفارغ إلى كاتدرائية تورينو، عدد من المحطّات الأساسيّة، منها ما هو موثَّق ومضمون، ومنها ما جاء في التقليد، نعرضها في مراحل أربعة هي:
المرحلة الأولى: من قبر أورشليم إلى مجد القسطنطينية (...-944)
لَمّا ركض بطرس ويوحنا إلى القبر، وأَبصرا "اللفائف ممدودة"،كان من الطبيعي أن يلتقطاها بطريقةٍ عفوية، ويحفظانها بكلّ اهتمام وعناية. ولكن، هل كانت آثار الجسم ظاهرة على الكفن في حينه؟
هل وجب علينا الأخذ حرفيًّا بكلام بولس في رسالته إلى أهل غلاطية عندما يقول لهم: "أنتم الذين عُرضت أمام أعينهم صورة يسوع المسيح المصلوب" (غلاطية 1:3)؟ وهل علينا مطابقة الكفن بالرداء الذي يشير إليه بولس، في رسالته إلى تلميذه طيموتاوس، عندما يقول له: "أحضر عند قدومك الرّداء الذي تركته في طرواس" (2 طيموتاوس 4 : 13)؟ وما هو الكفن الذي جيء على ذكره في الإنجيل المنحول بحسب العبرانيين، الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني، حيث ورد: "حين أعطى الرب كفنه خادم الكاهن، توجَّه إلى قرب يعقوب وظهر له..."؟ أو الكفن الوارد ذكره في إنجيل بطرس المنحول، الذي يعود تاريخه أيضًا إلى القرن الثاني، حيث أتى: "وأخذ يوسف الربّ، وغسله، ولفَّه بكفن، وحمله إلى قبره الخاصّ المدعو حديقة يوسف"؟ كلّها تساؤلات تشير إلى أنّه، منذ اللحظة الأولى، تداول المسيحيّون أخبار الكفن والرداء و"الصورة"، وجميعها أغراض تخصّ معلّمهم وحبيبهم.

إلى هذه التساؤلات، نضيف رواية أبجر الخامس، ملك إديسّا (الرَّها) في أيّام المسيح. تقول الرواية أنّ هذا الملك كان مصاباً بالبَرص، ولم يستطع أحدٌ شفاءه. فلمّا سمع بعجائب يسوع أَرسَل مَن يطلب إليه أن يأتي ليشفيه. لكنّ يسوع لم يستطع الذهاب إليه، فاغتنم الرسل الفرصة، بعد موته وقيامته، ليهِّربوا الكفن من أمام أعدائهم، ويرسلوه، مع تدّاوس الرسول، إلى الملك، كهدّية من يسوع وتذكار منه. ولكي يقدّموه بشكل لائق، طووه أربع طيّات بحجم المنديل، بحيث لا يرى عليه سوى شكل الوجه. تَسلَّمه الملك من الرسول تدّاوس، ولَمّا لمسه شُفي تماماً، فآمن بالمسيح، واعتمد وتبعه الكثير من شعبه. حافظ الملك على "المنديل" ووضعه في مكانٍ خاصّ تكريماً له. أمّا الرسول تدّاوس فقد تابع رسالته التبشيريّة في إديسّا ومحيطها، حتّى وصل إلى بيروت حيث مات ودُفن.


أيقونة محفوظة في دير القديسة كاترينا في سيناء، وتعود إلى الأعوام 945 - 975 ، تمثل استلام أبجر "الصورة".
ما زالت هذه الرواية حيّة في أيامنا الحاضرة، خصوصًا في الليتورجيا السريانيّة المعمول بها في طقس نصف الصوم. كما أنّها وردت بقلم مؤِّرخين كبار، في تلوينات مختلفة، زادت فيها بعض التفاصيل، ونقصت أخرى. إنّ "تعليم آداي" (القرن الرابع أو السادس) يَذكر رسالة خطيّة من الملك أبجر إلى المسيح، وجواب شفهي من المسيح إليه، وفيه وعدًا بمباركة المدينة، وبأنّ الأعداء لن يسيطروا عليها أبدًا؛ كما يذكر "الصورة" التي رسمها حنّان، المبعوث الشخصي للملك أبجر. أمّا أوسابيوس القيصري (263-339) فيذكر رسالة أبجر الخطيّة إلى المسيح، والرسالة الجوابية، التي خَلَت من الوعد المذكور سابقًا، من دون أن يأتي على ذكر "الصورة". كذالك فعلت إيجيريا الرحّالة (أواخر القرن الرابع) التي ذكرت الرسالتين مع الوعد، لكنّها لا تشير أبدًا إلى وجود "صورة المسيح "في مدينة الرَّها التي زارتها في نيسان سنة 384. لاحقًا، كتب عن هذا كلّه أغابيوس، أسقف منبج (القرن العاشر) في تاريخه "العنوان" وميخائيل الكبير (1126- 1199)، بطريرك السريان، في "كتاب الحوليات".
بالرغم من تلك الاختلافات في تفاصيل الرواية، تناقل التقليد الشعبي وجود "صورة المسيح" في إديسّا، أَطلق عليها تسمية "الصورة غير المصنوعة بيد إنسان"acheiropita، فأعطى لها الناس القدرة على المعجزات، وآمنوا بالوعد الذي أعطاه المسيح للمدينة. إنّ إيفاغرُس المؤرِّخ، الذي عاش في القرن السادس، يروي تقهقر جيوش الفرس أمام أسوار إديسّا، سنة 544 ، بفضل شفاعة "الصورة".

عندما بدأتْ بدعة تحطيم الأيقونات، في القرن الثامن، قام العديد من الغيارى بالدفاع عن حقّ إقامة الشعائر للأيقونات، داعمين موقفهم بحجّة وجود "صورة" للمسيح أَرسلَها بذاته إلى ملك إديسّا، ومنهم على سبيل المثال: جرمانُس الأوّل (634-733) بطريرك القسطنطينيّة، في خطابه إلى الإمبراطور البيزنطي لاون الأيزوري؛ وإندراوس (660-740) رئيس أساقفة كريت، في خطابه عن تكريم الأيقونات؛ ويوحنا الدمشقي (675-749) في خطابه الأوَّل سنة 726 دفاعًا عن الأيقونات؛ وثيودورس الأستودي (759-826) واضع كتاب الألحان الثمانية (أُكتوئيخس)، في خطابه إلى الإمبراطور البيزنطي لاون الخامس.

ألاليوس، مطران إديسا، يشير إلى المكان المخبأ فيه المنديل، كما أوحي له في الحلم.
الأيقونة من عمل الرسّام الروسي زوبوف Fedor Zubov العام 1679 وهي جزء من إيكونوستاز كنيسة المخلّص في الكرملين في موسكو.
ومنهم مَن يسأل: أيجوز لأفرام السريانيّ، ملفان الكنيسة الجامعة، الذي عاش في القرن الرابع، وقطن مدينة الرَّها، وعَلَّم في مدرستها، أنْ لا يذكر شيئًا عن "الصورة"؟ الجواب يعطيه الإنكليزي يان ويلسون، إذ يقول أنّه، بعد موت الملك أبجر الخامس أوكاما، خَلَفه ابنه مَعنو السادس، الذي رفض الإيمان بالمسيح، فقام باضطهاد المسيحيين الذين سارعوا إلى إخفاء الصورة-الكفن-المنديل، فبقي منسيًا لعدّة قرون، ولم يتمّ اكتشافه إلاّ بعد الفيضان الرهيب الذي أصاب المدينة في العام 525، وأودى بحياة 30 ألف شخص، وهدم المراكز الكبيرة العامّة كلّها. فعند البدء بترميم أسوار المدينة، عُثر على "الصورة" مخبّأة في طاقة ضمن السور. فأمر الإمبراطور البيزنطي يوستينيانُس الأوَّل (482- 565) بتشييد كاتدرائيّة ضخمة على اسم القدّيسة صوفيا، تكون على مثال شبيهتها في القسطنطينيّة، حيث وُضعت "الصورة" لتكريمها.
إذًا، هنالك محطّة شبه أكيدة، استقرّ فيها الكفن-المنديل-الصورة غير المصنوعة بيد إنسان، في مدينة إديسّا (الرَّها) الزاهرة. ولكن، ما كان خطّ سيره من أورشليم إليها؟ هل مرّ عبر لبنان؟ هل مرّ في أنطاكية؟ هناك تقليد يقول بأنّ بطرس الرسول اصطحب معه الكفن أو ربّما المنديل الذي وُضع على رأس يسوع، إلى أنطاكية، حيث كان "يلفّ به رأسه في الأعياد الجليلة وفي سيامة الأساقفة" (راجع: البطريرك اسطفان الدويهي، منارة الأقداس، المنارة الثالثة، الشرح الثالث، الفصل الخامس، صفحة 298). في كلِّ الأحوال، بقي الكفن في إديسّا عدّة قرون، إلى أن غادرها إلى القسطنطينيّة سنة 944.


المرحلة الثانية : في ربوع القسطنطينية (944-1204)
في تلك الايّام، كانت الحروب على أشدّها بين البيزنطيين والمسلمين، ومدينة إديسّا واقعة تحت السيطرة الإسلاميّة. في ربيع العام 943، حاصر إديسّا جيش إمبراطور بيزنطيا، بإمرة القائد كوركواس، الذي وعد أمير المدينة بعدم مهاجمتها، وبإطلاق 200 سجين مسلم، وبدفع مبلغ 12000 قطعة من الفضّة، شرط أن يسلّمه "الصورة". وبعد أخذٍ وردّ، وافق الأمير على عرض القائد، فجاء إبراهيم، مطران سميساط القريبة، لتَسَلُّم "الصورة"، فأخذها، بعد التثبّت من أصالتها، وفَرَّ بها باتجاه القسطنطينيّة، حيث وصلها في 15آب العام 944، عيد رقاد السيّدة. وفي اليوم التالي، طاف بها الشعب على أسوار المدينة، في زيّاح إحتفالي، ثمّ وُضعت في قصر الإمبراطور، على عرشه، كي تكون له عونًا في تقديس حياته، ولكي يحكم بالعدل. وما زالت الكنيسة البيزنطيّة، حتّى أيّامنا هذه، تحتفل بهذه الذكرى، في 16آب من كلّ عام.
ما هي طبيعة هذه "الصورة" ؟
بعد عشرات السنين من التردّد، استطاع الباحثون في تاريخ الكفن اكتشاف وثائق ثلاث مَكّنتهم من إزالة الإلتباس حول طبيعة "الصورة"، التي وصلت من إديسّا إلى القسطنطينيّة، وصار باستطاعتهم التأكيد على أنّ "الصورة غير المصنوعة بيد إنسان" التي ذاع صيتها، والتي قيل أنّها صورة المسيح المطبوعة على منديل، هي بالواقع كفنه الموجود عليه، ليس صورة وجهه فقط، بل آثار جسمه كلّه. الوثائق الثلاث هي التالية:

أ- عظة غريغوريوس Grégoire le Référendaire
عندما وُضعت "الصورة" على عرش الإمبراطور، وأُلقي عليها التاج الملوكي، قام غريغوريوس،
المتقدِّم بين شمامسة القسطنطينيّة، والمنسِّق العام للعلاقات بين البطريرك والإمبراطور، بإلقاء عظة بليغة، يروي فيها سيرة "الصورة" الآتية من إديسّا، متوقّفًا عند تفصيل هام: أنّه يرى "الوجه والجنب مع الدم والماء ...". اكتشف الوثيقة العالم الإيطالي جينو زانينوتو، في العام 1986، في المكتبة الفاتيكانيّة، ونشرها وعَلَّق عليها الأب أندري ماري دوبارل الدومنيكي، في العام 1997.

ب-أخبار جان سكيليتزيس Jean Skylitzes المزيّنة بالرسوم
يُظهر هذا المخطوط، المحفوظ في المكتبة الوطنيّة في مدريد، رسمًا للإمبراطور البيزنطي رومانُس لوكابينُس (†948) يَنحني أمام "الصورة" القادمة حديثًا من إديسّا، والموجودة على منديل أبيض في طرفه شراريب حمراء، ويبرز منه وجه مستقلّ، وهو يمسكها بواسطة قطعة طويلة من القماش، مطويّة عدّة مرّات كي لا تقع على الأرض، ويقدّمها أحد المسؤولين في البلاط الملكي إلى الأمبراطور، ماسكًا إيّاها بين يديه، وجاعلاً القسم الباقي منها على كتفيه نزولاً إلى خصره.
ج-مخطوط پراي Codex Pray
يعود هذا المخطوط الشهير، المحفوظ في المكتبة الوطنيّة في بودابست (هنغاريا)، إلى أواخر القرن الثاني عشر (العام 1190). سُمِّي نسبة إلى الأب جاورجيوس پراي اليسوعي، الذي يعود له الفضل باكتشافه، في العام 1770، في مكتبة كاتدرائيّة براتيسلافا (سلوفاكيا).

يحتوي هذا المخطوط على عدّة منمنمات عن صلب المسيح، وإيداعه في القبر، فيها تفاصيل مطابقة للآثار التي نراها على الكفن، ما يدلّ على أنّ رسّام تلك الأيّام كان على علمٍ بوجود الكفن، واستطاع معاينته عن قرب، في القسطنطينيّة. ومن المرجَّح أنّه من الذين رافقوا ملك هنغاريا، بيلا الثالث Bella III، إلى بلاط الإمبراطور البيزنطي مانويل الأوّل، حيث مكث عنده أكثر من عشر سنوات. وقد قام البروفسور جيروم لوجون Jérôme Lejeune †1994، في العام 1993، برحلة خاصّة إلى بودابست، حيث عاين المخطوط عن كثب، وكتب تقريرًا مفصلاً يبيّن فيه التطابق الكلّي بين كفن تورينو و"كفن پراي".
إذاً، بقي الكفن عدّة قرون في القسطنطينيّة، حيث استطاع العديد من الحجّاج والملوك معاينته والتبرّك منه. عندها، خَفَّ الكلام عن "الصورة غير المصنوعة بيد إنسان" ليحلّ مكانه الكلام عن كفن المسيح الموجود عليه صورة وجهه وجسمه، الذي كان يُعرض للجمهور في بعض المناسبات. يروي لنا التاريخ قصّة أبو نصر يحيى، من يعاقبة تكريت، الذي شاهده معروضًا في كنيسة القدّيسة صوفيا، في العام 1058.
كان آخر ظهور للكفن في القسطنطينيّة، في العام 1204، وذلك استنادًا إلى شهادة الفارس روبير دي كلاري Robert de Clari ,ونصّها الأصلي محفوظ في المكتبة الملَكيّة في كوبنهاغن. لقد اشترك ذلك الفارس الفرنسيّ في الحملة الصليبيّة الرابعة. وفي كتابه "قصّة الذين دخلوا القسطنطينيّة " روى الملابسات السياسيّة التي رافقت عمليّة الهجوم، واصفًا قصور المدينة وكنائسها والذخائر المحفوظة فيها، آتيًا على ذكر الكفن، إذ قال :
"كان هناك كنيسة أخرى على اسم القدّيسة مريم بلاشيرن، حيث كان يحفظ الكفن الذي لفّ به ربّنا، والذي كان ينتصب بطوله كلّ يوم جمعة، بحيث كان يمكن مشاهدة قامة ربّنا كاملة. ولم يعرف أحد بعدها، لا من الروم ولا من الفرنسيين، ماذا حلّ بالكفن بعد سقوط المدينة".

المرحلة الثالثة : الرحلة من الشرق إلى الغرب (1204-1355)
استولى الصليبيّون على كنوز القسطنطينيّة وذخائرها، واصطحبوا معهم الكفن إلى جهة مجهولة. عندها، أرسل ثيوذورس أنغلس Théodore Ange ، أحد أعضاء العائلة المالكة في القسطنطينيّة، رسالة إلى البابا إنّوقنطيوس الثالث، العام 1205، قائلاً بأنّه "يَترك للغزاة الآتين من فرنسا وفينيتسيا Venezia كنوز الذهب والفضّة" ، لكنّه يطالب باسترجاع الذخائر، بخاصّة "الذخيرة الأكثر قداسة، أي الكفن الذي لُفَّ به المسيح بعد موته"، وهو يتَّكل على "عدالة بطرس"، أي البابا ، ليقوم بمسعى لاسترجاع الذخائر.
لكن، مَن هو الشخص الذي أصبح الكفن بحوزته، وإلى أين أخذه؟ هل هو أوتون دي لا روش Othon de la Roche ،أحد القادة الصليبييّن، الذي قيل أنّه أخذه إلى مقرِّه في أثينا؟ هل هم فرسان الهيكل Les Templiers الذين أخذوه إلى مقرٍّ لهم في إنكلترا؟ هل أوُدع مدينة بيزنسون في فرنسا؟ أم "الكنيسة المقدّسة" la Sainte Chapelle في باريس؟ يحاول المؤرِّخون دراسة جميع هذه الاحتمالات، لكنّهم لم يحسموا أمرهم بعد. إنّ تتبّع أثر الكفن، بعد خروجه من القسطنطينيّة، أمر صعب، إذ تعوز المؤرّخين الوثائق الدقيقة.
المؤكّد هو أنّ الكفن ظهر في مدينة ليريه Lirey في فرنسا، حوالي العام 1355، حيث عُرض للجمهور، مفتتحًا مرحلة جديدة من مسيرته التاريخيّة. وإنْ لاقت المرحلة السابقة بعض التحفّظ، من قبل المؤرِّخين، فالمرحلة هذه لاقت إجماعًا منهم.

المرحلة الرابعة : الاستقرار في أوروبا (1355-...)
كنيسة ليريه
يجمع المؤرّخون على أنّ العرض العلني الأوّل للكفن في أوروبا أُقيم في كنيسة مدينة ليريه الفرنسية، حوالي العام 1355، بمسعى من الفارس الفرنسيّ جوفروا دي شارني الأوّل Geoffroie de Charny I الذي يُعتبر المالِك الأوّل للكفن في الغرب، من دون أن نعرف بالتحديد كيف حصل عليه ! للمناسبة، جرى نقش قلاّدات من الرصاص، عليها شكل الكفن، وآثار الجسم، من الأمام ومن الوراء، مع شعار عائلة دي شارني، وشعار عائلة دي فرجي، يحتفظ متحف كلوني Cluny في باريس بنموذج وحيد عنها عَثر عليه أحد هواة الصيد في نهر السين Seine.

قلادة الرصاص التي نُقشت بمناسبة عرض الكفن في ليريه
بعد "استشهاد" زوجها في معركة بواتييه Poitiers، في 19 أيلول 1356، قامت جان دي فرجي Jeanne de Vergy، بتسليم الكفن إلى شناونة chanoines ليريه، فعملوا على تنظيم عروضات علنيّة، ودعوا الناس لمشاهدة "كفن المسيح" والتبّرك منه.
أثارت هذه العروضات ردّات فعل مختلفة. فبينما لاقت حماسًا شعبيًّا، وتَدفَّق الناس على ليريه، حاملين معهم النذور والتقادم، ما أنعش اقتصاد المدينة، ورفَعَ من شأن عائلة دي شارني، لاقت اعتراضًا من الأسقف المحلّي هنري دي بواتييه Henri de poitiers، بحجّة أنّ الدافع إلى العروضات هو "الطمع المادي وليس الورع"، مبديًا عدم اقتناعه بصحّة الشكل الموجود على الكفن، لأنّ "الإنجيل المقدّس لم يأتِ على ذكر طبع مشابه". فقام الأسقف "بتحقيق لبق وفعّال، واكتشف التزوير، وكيف رُسم هذا القماش الذائع الصيت بأسلوب فنّي... وأنه صُنع يدٍ بشريّة ولم يُصنع أو يوهب بمعجزة". عندها، توقَّفت العروضات، وخُبِّئ الكفن، تجنّبًا للمواجهة مع الأسقف.
بعد فترة من الزمن، قام آل دي شارني وشناونة ليريه بإعادة العروضات العلنيّة، ما أدّى إلى اعتراض آخر من الأسقف المحلّي الجديد بيار دارسي Pierre d'Arcis الذي سارع برفع القضيّة إلى البابا الزور في أڤينيون Avignon، إكليمنضُس السابع، في رسالة طويلة، في تشرين الثاني العام 1389، يكرِّر فيها حجج سلفه المعارضة للعروضات، طالبًا من البابا التدخّل لوقفها. لكنّ البابا، في رسالة جوابيّة إلى الأسقف، طلب منه السكوت عن القضيّة، تحت أمر الطاعة، وبعث رسالة أخرى إلى سيّد ليريه الجديد، جوفروا دي شارني الثاني، فارضًا شروطه لاستمرار العروضات. على كلّ حال، لم يعد من قيمة لهذه الرسائل الإعتراضيّة، بعد أن أثبت العِلم الحديث عدم وجود أيّ مادّة تلوينيّة على النسيج، وبالتالي، من المستحيل أن يكون الكفن من صنع رسّام، مهما كان متحاذقًا.

الدوق لويس الأوّل دي ساڤوا
بعد موت جوفروا دي شارني الثاني، في 22 أيار 1398، إنتقلت ملكيّة الكفن إلى ابنته مارغريت دي شارني، التي أرادت التصرّف به بحريّة، والإستغناء عن "خدمات" شناونة ليريه. عندها حصل خلاف بينها وبين الشناونة، أدى إلى انتقال القضيّة إلى المحاكم، ما دفع مارغريت إلى التخلّص من الكفن، وبيعه إلى لويس الأوّل، دوق ساڤوا، في 22 آذار 1453. وهكذا أصبح الكفن مُلكًا لهذه العائلة، ذات النفوذ القويّ، يرافقها في تنقلاتها من مدينةٍ إلى أخرى، ومن قصرٍ إلى آخر، إلى أن استقرَّ في كنيسة مدينة شامبيري Chambery، في 11حزيران العام 1502 .
وفي ليل 3كانون الأوّل العام 1532، شبّ حريقٌ في الكنيسة، فوصل إلى المكان المحفوظ فيه الكفن، وطال بعض أطرافه، مسبِّبًا بعض الخروقات في القماشة ما زالت ظاهرة حتّى اليوم.
بعد فترة من الزمن، قام دوق الساڤوا بإرساله إلى دير الراهبات الكلاريّات القريب لِرَتقه في الأماكن التي أتت عليها النيران.


الدوق شارل الثالث دي ساڨوا
امتدت عملية الإصلاح من 16نيسان لغاية 2أيار1534، حين أُعيد الكفن إلى مكانه في كنيسة شامبيري. وحصل أنّه، بعد بضعة أشهر، اجتاحت الجيوش الفرنسيّة مملكة آل ساڤوا، ما اضطرّ الدوق شارل الثالث الانتقال إلى مدينة تورينو، مصطحبًا معه "الكفن المقدس"، حيث أقام له العرض العلنيّ الأوّل في هذه المدينة، في 4 أيار، العام 1535، الموافق "عيد الكفن المقدّس"، الذي كان البابا يوليوس الثاني أسَّسه العام 1506. ثمّ راح دوقات الساڤوا يجوبون به المدن المختلفة، فانتقلوا به من تورينو إلى ميلانو Milano، وإلى فرشللي Vercelli، وإلى نيس Nice ، ليعودوا به إلى شامبيري في العام 1561، ثمّ إلى تورينو، ليستقرّ فيها في الرابع عشر من شهر أيلول العام 1578، ولم يزل.
أثناء وجوده في تورينو، زاره أسقف ميلانو المحبوب، القدّيس شارل بوروميه، سيرًا على الأقدام، من ميلانو إلى تورينو، يرافقه اثنا عشر شخصًا من المختارين، في أواسط تشرين الأوّل، العام 1578، وفاءً لنذر قام به، كي تخلص أبرشيّته من مرض الطاعون.
وفي الرابع من أيار، العام 1613، عُرض الكفن للجمهور، بحضور أسقف جنيڤ، القدّيس فرنسيس دي سال، الذي كان يحمله بيديه. يتذكر الأسقف القدّيس هذا الحدث، في رسالة له إلى القدّيسة جان دي شانتال.

كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان في تورينو
وفي الأوّل من حزيران العام 1694، وُضع الكفن في مقرٍّ جديد لا يزال فيه حتّى اليوم. وهذا المقرّ كناية عن كنيسة ملاصقة لكاتدرائيّة القدّيس يوحنا المعمدان في تورينو، من عمل المعماري الإيطالي غوارينو غواريني Guarino Guarini.
إنّ أهالي تورينو متعلّقون جدّاً بالكفن، بحيث لا يدعونه يترك المدينة إلاّ في حالات استثنائيّة، كما حصل مع بداية الحرب العالميّة الثانية، عندما تمَّ نقله إلى دير مونتي فرجينه Montevergine للآباء البنديكتيين، في جنوب إيطاليا، حيث مكث فيه من أيلول العام 1939 حتّى تشرين الأوّل العام 1946، حين عاد إلى مقرّه الأساسيّ.


الجدير بالذكر أنّ الكفن بقي مُلكًا لآل ساڤوا حتى آخر مَلك لهذه السلالة، واسمه أومبرتو الثاني، الذي توفّي معزولاً في البرتغال، في 18آذار العام 1983. وقد ضَمَّن وصيّته بندًا بالتنازل عن حقّه في ملكيّة الكفن لكرسي روما الرسّولي، شرط أن يبقى في مدينة تورينو. فقام البابا بتعيين رئيس أساقفة المدينة حارسًا للكفن، فعيّن، بدوره ، "اللجنة الأبرشيّة للمحافظة على الكفن" مؤلّفة من إكليروس وعلمانيين اختصاصيين.

البابا يوحنا بولس الثاني وأومبرتو الثاني دي ساڤوا


أثناء وجوده في تورينو عُرض للجمهور مرّات عديدة، كان آخرها في العام 2010.


ماذا يقول العِلم

إنّ عِلم الكفن أو السندونولوجيا هو علم حديث العهد، ويشمل العديد من الاختصاصات، ويتطوَّر بسرعة، وقد غدا مادّة تدريس في معاهد اللاهوت والجامعات في أوروبا وأميركا.
تعود الدراسة الموضوعيّة الأولى عن كفن تورينو إلى رئيس أساقفة بولونيا Bologna في إيطاليا، ألفونسو پاليوتو Alfonso Paleotto، أصدرها العام 1598، شرح فيها طبيعة الجروحات البادية على رَجل الكفن، مقارنًا إيّاها بما جاء على لسان الأنبياء والآباء، ومتوقِّفًا عند بعض التفاصيل الطبيّة، كمكان غرز المسامير في الجسم وعددها.

سِكُندو بِيّا
مَرَّت ثلاثة قرون دون صدور أيّ بحث علمي جديد، إلى أن جاءت الصور الأولى التي التقطها سِكُندو بِيّا، في العام 1898، لتثير اهتمام العِلم الحديث، وتضع العلماء أمام تساؤلات جديدة، اختلفوا فيما بينهم على تقديم الإجابات عنها. فبعد أن كان كفن تورينو محطة للحجّاج ولممارساتهم التقويّة، أصبح مادّة بحث للعلماء وللنقد العلميّ.
في العام 1900، أي سنتين فقط بعد البلبلة التي أحدثتها صور سِكُندو بيّا، قام الراهب الفرنسيّ المؤرِّخ أُليس شوفالييه Ulysse Chevalier †1923 بعرض بعض الوثائق التي اكتشفها، واستنتج منها أنّ الكفن من صُنع أحد الرسّامين. لكنّ المعاينات المباشرة للكفن، بالإضافة إلى الصور العديدة التي التُقطت له لاحقًا، أثبتت عدم وجود أيّ مادة تلوينيّة اصطناعيّة على النسيج.
العالم الفرنسي إيڤ دولاج
وفي 21 نيسان العام 1902، قام البروفسور إيف دولاج Yves Delage †1920، المنتمي إلى مذهب اللاأدريّة Agnosticisme، بتقديم بحثٍ له إلى الأكاديميّة الفرنسيّة للعلوم، يشير فيه إلى قناعته بأنّ كفن تورينو هو نفسه الكفن الذي لُفَّ به جسد المسيح. أثار هذا البحث اعتراض زملائه، وعلى رأسهم أمين سرّ الأكاديميّة، العالم الملحد مارسيلان بِرتيلوه Marcelin Berthelot †1907، الذي طالب دولاج بإعادة صياغة بحثه، وحذفْ كلّ ما له علاقة بكفن تورينو، كي يحظى بالموافقة المطلوبة لنشره في التقرير الرسميّ للأكاديميّة. لكنّ دولاج دافع عن وجهة نظره، قائلاً بأنّ هدفه هو إظهار الحقيقة فقط، حتى ولو كَلَّفه ذلك خسارة أصدقائه.
وفي العام 1931، بدأ بيار باربيه Pierre Barbet †1961، الطبيب الجرّاح في مستشفى مار يوسف في باريس، بإجراء الاختبارات على جثث طازجة، والبحث في تاريخ الصَلب وعِلم الآثار، بعد أن عاين الكفن عن قريب، خلال العرض العلني الذي جرى في تلك السنة. وبعد عشرين سنة من الاختبارات، أصدر كتابه الشهير الذي لم يزل، لغاية اليوم، يحظى بالاقبال، ويُعاد طبعه من حينٍ إلى آخر.
وفي العام 1938، أَصدر البروفسور پول فينيون Paul Vignon †1943، أستاذ علم الأحياء في المعهد الكاثوليكي في باريس، كتابًا هامًا قَدَّم فيه نتائج أبحاثه عن الكفن، من النواحي العلميّة والتاريخيّة، بالإضافة إلى الإيقونوغرافيا وعلم الآثار والمنطق.
وبعد فترة من الزمن، بدأ يسطع اسم العالِم الفرنسيّ انطوان لوغران Antoine Legrand †2002 الذي عاين الكفن عن قرب خلال العروضات العلنيّة التي حصلت في العام 1931 و 1933 و1978. ويشير، في كتابه، إلى أمرٍ يهمّنا في لبنان، هو منديل مار شربل، المحفوظ في دير مار مارون – عنايا. لقد قام لوغران بمقارنة الآثار الموجودة على نسيج الكفن، مع الآثار الموجودة على منديل يحمل شكل وجه القديس شربل، كان قد وُضع على وجه القدّيس، بعد حوالي خمسين سنة من موته، حين كان جسمه لا يزال ينضح عرقًا وموادّ أُخرى. وهناك قطعة أخرى من القماش، لم يأتِ لوغران على ذكرها، لكنّها موجودة أيضًا في الدير المذكور، أُلقي عليها القدّيس في المناسبة ذاتها، وتحمل آثار جسمه بالكامل. إنّ المنديل وقطعة القماش جديرتان بالفحص والدراسة.
لكنّ ذروة الاهتمام العلميّ كانت في العام 1978، حين قام فريقٌ مؤلَّف من أكثر من أربعين عالِمًا، معظمهم أميركيّون، سُمِّي ستارب STURP أي Shroud of Turin Research Project بمعاينة الكفن عن كثب، بالعين المجرّدة والمعدّات المتطوّرة، خلال خمسة أيّام متتالية، قاموا بعدها بنشر النتائج التي توصّلوا إليها. إنّ المجتمع العلمي لا يزال يعوِّل على هذه الأبحاث، لذلك نقوم بعرضها هنا، بالإضافة إلى نبذة عن أهمّ الدراسات والأبحاث التي حصلت منذ ذلك التاريخ.

أ - عِلم النسيج Experts en textile

إنّ العالِم جيلبر رايس Gilbert Raes ، الأستاذ في معهد غانت Gent للنسيج في بلجيكا، كان أوّل مَن فحص نسيج الكفن في العام 1973، وسُمح له باقتطاع ثلاث عيّنات منه: الأولى، من صدر الكفن، بقياس 4سنتم × 1،3 سنتم؛ والثانية، من القطعة الجانبيّة، بقياس 4 سنتم × 1 سنتم؛ والثالثة، من الخيط الذي استعمل لربط الكفن بالقطعة الجانبيّة. ثمّ أتى بعده، في السنوات اللاحقة، اختصاصيّون آخرون، أمثال الإنلكيزي جون تايرِر John Tyrer †1992، والفرنسي غبريال ڤيال Gabriel Vial †2005 من متحف النسيج في ليون Lyon تَلخَّصت ملاحظاتهم بالآتي:
* إنّ الكفن مصنوع من كتّان، يقال له في الفرنسيّة Lin، وفي الإنكليزيّة Flax، وهو أنواع. من المرجّح أنّ النوع الذي استعمل في نسيج الكفن هو Linum angustifolium أي كتّان برّي، وهو غير Linum usitissimum أي كتّان شائع، وهو الكتّان الزراعي الصناعي المشهور.
* إنّ حالة الكفن جيّدة، ولا يتأثر بالشدّ أو الفرك، ولونه مائل إلى الإصفرار، كلون التبن.
* في نسيج الكفن بعض ألياف القطن، من نوع قطن الشرق Gossypium Herbaceum، ربما أتت من النول الذي استُعمل سابقًا لنسيج قطعة من القطن، وهذا دليل على أصل الكفن الشرقي.
* إستلزم صنع نسيج الكفن نَولاً له أربع دعسات. إنّ طريقة النسج من نوع "السرجة" ذي القطبات المتعرّجة، حيث يمرّ كلّ خيط في "اللحمة" تحت ثلاثة خيوط منها، وذلك بالمداورة، وبموازاة أوّل خيط زاوية، ومن ثمّ يَعبر فوق خيط من "السداة" ليعود بالاتجاه المعاكس، وبموازاة خطّ الزاوية الثاني، راسمًا نسيجًا مصلَّبًا. يشكّل ذلك، بحدّ ذاته، شيئًا مثيرًا للاهتمام، إذ أنّ معظم الأقمشة الرومانيّة والمصريّة، التي يرجع عهدها تقريبًا إلى زمان المسيح، كانت تُصنع عادة "بالسرجة البسيط" أي "خيط أعلى وخيط أسفل". كان النسيج المصنوع من قطبات متعرّجة بنسبة ثلاث قطبات إلى واحدة، معروفًا آنذاك، لكنّه كان يستعمل بالأفضليّة في الحرير. هذا لا يعني أنّ مصدر الكفن غير أكيد، إنّما بالأحرى تبدو كلفة صنعه مرتفعة، وهذا أمر متوقّع من مشترٍ ثريّ مثل يوسف الرامي.
* هناك عنصر صغير ولكنّه مهمّ، ويساعد على تحديد التاريخ التقريبيّ لصنع الكفن: إنّه طريقة التبييض. من الممكن تحويل الكتّان الخام، ذو اللّون الأسمر، إلى كتّان أبيض، وذلك إمّا بتبييض الأوتار قبل الحياكة، وإمّا بتبييض النسيج كلّه بعد حياكته. إنّ حياكة الكتّان دقيقة، كونه قليل التمدّد، ويجعله التبييض سريع العطب. لم تستطع المناويل القديمة حياكة الوتر المبيّض، ولم تعمل التقنيات اللازمة للنّسج بطريقة جيّدة، إلاّ منذ القرون الوسطى. إضطّر الحاكة، في العصور القديمة، إلى تبييض الكتّان بعد نسجه، ممّا كان يترك بصمة للسّبب التالي: عند ملتقى السَداة باللحمة، يحمل كلُّ خيط بقعة سمراء صغيرة تُمثِّل لون الكتّان الخام، الذي لم تتمكّن عمليّة التبييض من الوصول إليه، في منطقة يَحمي فيها خيطٌ معيَّنٌ الخيط الذي يتقاطعُ معه. يكفي إزاحة الخيطين بواسطة إبرة لرؤية الآثار المميّزة. بما أنّ الكفن يَحمل مثل هذه الآثار، فهو يعود حتماً إلى عصرٍ سابقٍ للعصور الوسطى.

ب- عِلم الآثار Archéologie
يَحفل عِلم الآثار، في العصر الحديث، باكتشافات هامّة، ساهمت في تنوير علماء الكفن حول تفاصيل عمليّة الصَّلب، وأشكال الصليب، ووِضعة المصلوبين.
ففي العام 1940، تمَّ اكتشاف لوحة من المرمر، في مدينة پوتسوالي Pozzuoli الواقعة جنوبي إيطاليا، تعود إلى القرن الأوّل قبل الميلاد، حُفرت عليها قواعد عمليّة الصلب، مع واجبات "متعهّد الصلب" وعمّاله و أجورهم ومعدّاتهم وبعض التفاصيل الأخرى، أطلق عليها تسمية Tabula Puteolana. تلاها، العام 1965، اكتشاف لواحدة أخرى مماثلة، في مدينة كومو Como الواقعة شمالي إيطاليا، أطلق عليها تسمية Tabula Cumana. ثمَّ عُثر لاحقًا، على مخربشات graffitis تمثِّل الصلب، في عدّة مدن إيطاليّة، في پوتسوالي ذاتها، وفي پومپاي Pompei، يعود تاريخها إلى القرن الميلادي الأوّل.

رسم يوحنان المصلوب
وفي العام 1947، كانت اكتشافات قمران بجوار البحر الميت، وكان الاهتمام بالأسينيّين وعاداتهم في دفن موتاهم.
وفي العام 1968، تَمَّ الاكتشاف الأهمّ، عندما عثر عالِم الآثار ڤاسيليوس تزافيرِس Vasilius Tzaferis، بالقرب من أورشليم، على مقبرة جماعيّة، فيها العديد من الهياكل العظميّة، من بينها واحد، أثار اهتمامه، لأنّه غُرِز في عقبيه calcanéums مسمارٌ من الحديد، طوله 17،5 سنتم. بعد استكمال البحث، تبيَّن أنّ هذا الهيكل العظمي يعود لرجل في العقد الثالث من العمر، طوله حوالي المتر وسبعين سنتم، محفور اسمه "يوحنان"، بالآراميّة، على مدفنه، قضى صلبًا في الفترة التي سبقت احتلال أورشليم في العام 70. بعد معاينة آثار احتكاك المسامير باليدين والرجلين، استطاع العلماء تكوين صورة واضحة عن وِضعة جسم المصلوب هذا، على الصليب، مكتشفين بذلك بعض التفاصيل المفيدة في عمليّة الصلب.

ج- عِلم التشريح Anatomie – Pathologie

الطبيب بيار باربيه
إحتلّ الدكتور بيار باربيه المكان الرائد في دراسة رَجل الكفن من الناحية الطبيّة. قام باختبارات عديدة خلال أكثر من عشرين سنة، وأصدر في الخمسينات، كتابًا مرجعًا، يتلخَّص محتواه بالتالي:
* غُرزت مسامير اليدين في المعصم، بين عظام الرسغ، في مكان ديستو espace de Destot، وليس في راحة اليد كما تخيلها الرسّامون، وسار بها الاعتقاد الشعبيّ.
* تصيب المسامير العصب الناصف nerf médian ما يجعل المصلوب يثني إبهامه، لذلك هو غير مرئي في يد رجل الكفن.
* يموت المصلوب اختناقًا عندما يصبح عاجزًا عن التنفّس بسبب الألم المبرّح الذي يمنعه من رفع جسمه ليخفّف الثّقل عن قفصه الصدري.
*لم يُغسل جسم المسيح، كما كانت عادة اليهود في تلك الأيّام، لأنّ الدفن تمَّ بسرعة، مراعاة لشريعة السبت.
* إنّ رَجل الكفن إنسان ميت لأنّ تصلّب الجثة rigidité cadavérique واضح، لكنّه لا يوجد على الكفن أي أثر لاهتراء الجسد، ما يعني أنّ الجسد غادر الكفن بسرعة، وذلك قبل بدء عمليّة التَحلّل.

الطبيب فريد الزغبي
لكنّ الاختبارات الحديثة، في هذا المضمار، التي قام بها فردريك زوغيبي (فريد الزغبي؟) Frederick Zugibe، الطبيب الأميركي اللبنانيّ الأصل، والمرجع العالمي حول تأثيرات الصلب على جسد المصلوب، تناقض معظم استنتاجات باربيه. ففي كتابه الأخير، الصادر في العام 2005، يردّ الزغبي على النقاط السابقة بالتالي:
* صحيح أنّ المسمار غُرز بين عظام الرسغ، بحيث يأخذ مساره الصحيح، ويخرج في المكان البادي على الكفن، لكن ليس في مكان ديستو القريب من الخنصر، بل في مكان آخر، سمّاه مكان z، قريب من الإبهام.
* إنّ المسمار الذي يدخل مكان Z لا يصيب العصب الناصف، وبالتالي لا تشكِّل إصابة العصب السبب الأساسي لثني الأبهام. إن الأبهام مثني إلى جهة راحة اليد، لأنّ مكانه الطبيعي هناك، عند الأحياء والأموات.
* لا يموت المصلوب اختناقًا بل نتيجة الصدمة، فيقول الزغبي:

"لو كان عليّ إصدار وثيقة وفاة بصفتي رئيسًا لجهاز الكشف الطبّي، لكنتُ قرَّرت أن سبب الوفاة هو الصدمة جراء الإصابات الناتجة عن عمليّة الصلب. ولو فرضنا أنّه لم يمت نتيجة هذه الاصابات، فإنّ جرح الحربة، بالإضافة إلى وضع الصدمة العام، سوف يؤدّي إلى الوفاة، نتيجة التحرّك المنصفي القويّ الذي يسبِّبه الاسترواح الصدري".
* إنّ جسم المسيح قد غُسل قبل إلقائه على الكفن، ولو لم يكن كذلك، لكان الكفن كلّه مغطّى بالدم، ومن المستحيل مشاهدة آثار الجروح واضحة كما تبدو عليه الآن.
* صحيح أنّ رجل الكفن إنسان ميت، وتصلّب الجثّة واضح.
إنّ دراسات الزغبي لها مصداقيّة أكبر من دراسات باربيه، كونها تّمَّت بعد أكثر من خمسين سنة، في زمن تطوَّرت فيه الأبحاث الطبيّة كثيرًا.




د- عِلم الإنسان Anthropologie – Ethnologie

رسم وجه المسيح للفنان الأرمني أجَميان
يَتِّفق علماء الإنسان على أنّ رَجل الكفن هو ساميّ الملامح، له لحية وشعر طويل، يتراوح عمره بين الثلاثين والأربعين سنة، قال فيه كارلتون كون Carlton Coon †1981، أستاذ علم الإنسان في جامعة هارفرد إنّه "من النوع الذي نراه، في أيّامنا الحاضرة، بين اليهود السِفارديم والنبلاء العرب". وقد توقّف بعضهم عند مقياس رجل الكفن، لكنّهم اختلفوا على احتساب طوله إذ تراوحت النتيجة بين 1،62 مترًا، كما احتسبها المونسينيور جوليو ريتشي Giulio Ricci †1995، و 1،80 مترًا كما احتسبها جاكسون وجامپِر. ومَن يزور بازيليك القدّيس يوحنا اللاتيراني في روما، يرى تحفة من الحجر مكوّنة من أربعة أعمدة فوقها بلاطة تُعرف بـ Mensura Christi أو "مقياس المسيح" تدلّ الزائر على طول المسيح، عندما يقوم بقياس المسافة الفاصلة بين الأرض والبلاطة، فيحصل على نتيجة 1،83 مترًا.
لكنّ العلماء الذين عاينوا الكفن عن كثب، لاحظوا مفارقة في طول الجسم: إنّ طوله من الأمام أقلّ بخمسة سنتيمترات من طوله من الوراء! أمّا وزنه فهو حوالي الثمانين كيلوغرامًا.

هـ - عِلم المسكوكات Numismatique

في العام 1979، أَعلن الراهب اليسوعي الأميركي، فرنسيس فايلاس Francis Filas †1985، أستاذ اللاهوت في جامعة لويولا في شيكاغو، عن اكتشافه آثارًا على قماش الكفن، في منطقة العينين، بشكل أربعة أحرف لاتينيّة، هي U C A I تبدو "مطبوعة" على القماش، فاستنتج أنّها ربّما تكون جزءًا من اسم الامبراطور تيباريوس قيصر TiberioU KAIsaros، الذي كان يُنقش على العملات المعدنيّة المتداولة زمن المسيح، وقد قام أحدهم بوضع العملات على عينيّ المسيح، أثناء عمليّة التكفين.
إنّما اللافت هو أنّه نلاحظ، على الكفن، حرف C بدل حرف K، وهذا يعود إلى خطأ في النقش، إذ توصّل فايلاس إلى العثور على قطعة من العملة ذاتها، عليها الغلطة النقشيّة نفسها.
ليس معروفًا بعد السبب الحقيقي لوضع العملات على العينين، وهو مستغرب، لذلك لم يُلاقِ هذا الاكتشاف إجماعًا بين العلماء، ولا يزال يخضع للنقد العلميّ الموضوعيّ.

و- عِلم اللقاح Palinologie

ماكس فراي يسحب العينات عن سطح الكفن
في العام 1973، دُعي ماكس فراي Max Frei †1983، مدير المختبر العلمي التابع لدائرة البوليس في زوريخ – سويسرا، إلى معاينة الكفن عن كثب، عَلَّه يكشف عن شيء جديد. وفي ليلة 23 تشرين الثاني، بعد الانتهاء من العرض التلفزيوني الخاصّ بالمناسبة، حصل على الإذن بوضع 12 شريطًا لاصقًا على نسيج الكفن، ثمّ سحبها، فتمكّن من الحصول على 12 عيّنة من الغبار العالق على سطح الكفن.
عند عودته إلى مختبره في سويسرا، حَدَّق في العينات بواسطة المجهر، فلاحظ وجود أجزاء صغيرة مختلفة من الفطريّات والشَعر واللقاحات. توقّف عند اللقاحات محاولاً معرفة جنسها، بالرغم من إدراكه صعوبة التعرّف إليها. لكنّه تَوصَّل، بعد سنوات من البحث والتدقيق، وبالاستناد إلى خبرته الواسعة، وإلى التصنيف الشامل الموجود لديه، وإلى المستندات العديدة، إلى التعرّف على 58 نوعًا من اللقاح، بينها 6 لقاحات لأزهار لا تنبت إلاّ في ضواحي البحر الميت، وأخرى لأزهار موجودة فقط في تركيا، خصوصًا في برّ الأناضول. فاستنتج أنّه لا بدّ من أن يكون الكفن قد أمضى فترة من الزمن في الشرق، داعمًا بذلك اكتشاف "قطن الشرق" على نسيج الكفن، على يد معاصره البروفسور رايس. يتابع دراسات فراي ويتقدّم بها أستاذا الجامعة العبرية في أورشليم: أوري باروخ Uri Baruch، وأفينوام دانين Avinoam Danin .

ز- مبحث الدم Hématologie

جون هيلِر
تُشاهَد، على نسيج الكفن، خاصّة عند الرأس والظهر والمعصمين وأسفل الرِجلين، بقع قرمزيّة اللون من مختلف الأحجام، كان الدكتور باربيه عاينها عن كثب، وأَكّد أنَّها بقع دم. ثمّ أتى عضوا الستارب، جون هيلِر John Heller †1995، وآلان آدلِر Alan Adler †2000، اللذان أخذا عيّنات من هذه البقع، وقاما بتحليلها في المختبرات الأميركيّة المتطوِّرة، وأكَّدا أنَّها فعلاً بقع دم إنسان. وفي رسالة خاصّة بعثتُ بها إلى جون هيلِر، سألته: "كيف يجوز أن يبقى الدم مدّة ألفي سنة؟" فأجابني: "لا أرى سببًا كي لا يبقى الدم، حيث لا يتبخَّر، وقد وجدنا مادة البورفيرين Porphyrine في أصفاد متحجرة، يعود تاريخها إلى خمسة ملايين سنة"، والمادة المذكورة هي أساسيّة في تكوين الدم. ثمّ ذهب الإيطالي بيار لويجي بولوني Pierr Luigi Bolloni إلى أبعد من ذلك، إذ أكّد أنّ هذا الدم هو من فئة AB، وقد وافق الأميركيّان على فحوصه.
كان المعترض البارز على دراسة هيلِر وآدلِر هو والتر ماكرون Walter McCrone †2002، زميلهما في الستارب، الذي قال إنّ البقع القرمزيّة اللون هي مادة تلوينيّة اصطناعيّة، استعملها أحد الرسّامين. وقد برهن ذلك بحجّة أنّه عثر على مادة أوكسيد الحديد التي كان يستعملها الرسّامون قديمًا. لكنّ زملاءه ردّوا عليه، رافضين قوله بحجّة أنّ كميّة أوكسيد الحديد التي عثر عليا ضئيلة جدًّا، ولا يمكن أن تكون في أساس البقع القرمزيّة، ثمّ أنّها موجودة على كلّ مساحة الكفن، لا في مكان البقع القرمزيّة فقط، وهي بالتالي جزء من النسيج بأكمله.

ح- عِلم الكيمياء Chimie

راي روجرز
© 2004 Barrie M. Schwortz
إنصبّ علماء الكيمياء، على رأسهم آلن آدلر، على تحليل البقع القرمزيّة اللون، بالإضافة إلى المواد المختلفة العالقة في خيوط نسيج الكفن، فأكّدوا أنّ آثار الجسم على الكفن ناتجة عن تدرّج ألوان الخيوط، وأنّه لا وجود لآثار اهتراء الجسم الذي لُفّ به هذا الكفن، ما يعني أنّ الجسم غادر الكفن قبل بدء عمليّة التحلّل، وأنّه ليس من المعقول أن يكون اللون القرمزيّ مادّة تلوينيّة لأنّه:
* لو كان هناك تلوين، لسال مع ارتفاع الحرارة، في أثناء تعرّض الكفن للحريق عدّة مرّات، وأهمّه حريق العام 1532.
* يُظهر التحليل بواسطة الكمبيوتر، عدم وجود اتجاهات محدّدة في البقع، وهذا يعني استحالة استعمال ريشة فنّان.
* ليس من تطابق مع أيّ مادّة تلوينيّة استُعملت منذ آلاف السنين حتّى اليوم. وقد قام هيلِر وآدلِر بدراسة صباغ الأرجوان الذي كان يُستخرج قديمًا من الأصفاد الموجودة على شواطئ صور وصيدا، فلم يلاحظا أيّ قاسم مشترك مع طبيعة البقع على نسيج الكفن.
وتبقى مشاركة راي روجرز Ray Rogers †2005، العالم الأميركي العملاق، أساسيّة لاثبات هذه الحقائق، وسنتكلّم لاحقًا عن مساهمته الفعّالة في دحض نتائج فحص الكاربون 14.

ط- الأيقونوغرافيا L'iconographie

لا تعطينا الأناجيل وصفًا واضحًا للمسيح، ولا تقدم لنا كتابات المؤرّخين والآباء معلومات دقيقة عن شكله، وكثرٌ هم الناس الذين يتحرَّقون شوقًا لرؤية وجهه. هل كان شنيعًا "لا صورة له ولا بهاء فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه" كما تنبّأ أشعيا (2:53) وأكّده إكليمنضُس الإسكندريّ †215؟ أم كان "أجمل بني آدم" كما جاء في المزمور 2:45؟ أم أنّ "لون شعره الذهبيّ ولحيته اللطيفة جعلت هيئته سماويّة... ولم أرَ في حياتي وجهًا صبوحًا أحلى أو أصفى أو أنقى من وجهه" كما جاء في تقرير بيلاطس البنطي المنحول إلى الأمبراطور تيباريوس قيصر؟
مهما يكن من أمر، تقدّم لنا الإيقونوغرافيا معلومة هامّة: إنّ معظم أيقونات السيّد المسيح، بدءًا من القرن السادس، تحمل علامات مشتركة مع الوجه الذي نراه على الكفن، ما يدلّ على أنّ رسّامي الأيقونات استوحوا رسوماتهم من مصدر واحد، هو الكفن، لَمّا كان مطويًّا لا يُرى منه سوى الوجه، وهذا دليل إضافي على أقدميّته. أحصى پول ڤينيون العلامات المشتركة، فتبيَّن له أنّ عددها عشرون؛ وأحصاها مؤخّرًا الأميركي آلن وانغر Alan Whanger، بواسطة طريقة حديثة متطوّرة، فتَبيَّن له أنّها أكثر من مائتي علامة، نذكر أهمّها: الخطّ الأفقي في وسط الجبين، الحاجب الأيمن الذي هو أكثر كثافة من الحاجب الأيسر وأعلى منه، الوجنتان البارزتان، اللحية المنقسمة إلى اليمين وإلى اليسار، خصلة الشعر على الجبين...



ي- تأريخ الكفن بواسطة الكربون 14 Datation au Carbone quatorze

في 21 نيسان 1988، تَمَّ اقتطاع عيّنات من الكفن سُلِّمَت إلى ثلاثة مختبرات عالميّة لإجراء فحص الكربون 14عليها، لمعرفة تاريخ النسيج. وُضعت العمليّة بكاملها تحت إشراف المتحف البريطانيّ، بشخص البروفسور مايكل تايت Michael Tite. أمّا المختبرات الثلاثة فهي تابعة لجامعة تاكسون Tucson في ولاية أريزونا في أميركا، وجامعة أُكسفورد في إنكلترا، ومعهد الپوليتكنيك في زوريخ Zurich في سويسرا. أُعلنت النتيجة في 13 تشرين الأول سنة 1988، بلسان الكردينال أناستازيو بالِستريرو Anastasio Ballestrero †1998، كردينال تورينو وحافظ الكفن، وكانت أنّ الكفن صُنع ما بين العام 1260 والعام 1390! [ ليست علامة التعجّب من المؤلِّف بل من العلماء الذين كتبوها على اللوح أثناء المؤتمر الصحافي لإعلان النتيجة].
ما أن أُعلنت النتيجة حتى نشرتها وسائل الإعلام كالبرق، فتلقَّفها المتحمِّسون للكفن بخيبة أمل، وارتاح لها المشكِّكون. لكنّ الكردينال بالِستريرو أرفق إعلانه بالملاحظة التالية:
"ليس باستطاعة أحد إرغامي على الموافقة على هذه النتيجة. العِلم هو الذي سيحكم على العِلم... إنّ هذه الفحوص لا تُنهي فصول الكتاب حول الكفن، وهي ليست إلاّ فصلاً آخَر يُضاف إلى قصّة الكفن أو، كما يقول بعضهم، إلى ألغاز الكفن. وبعد كلِّ هذه الأبحاث، ليست لدينا أجوبة لتفسير كيفيّة حدوث صورة المسيح هذه".
أثارت النتائج انتقادات علميّة عديدة، وتساءل العلماء الذين لم يشاركوا في فحوص المختبرات الثلاثة: هل تَمَّ تنظيف العيّنات من آثار التلوّث المتراكم على سطح النسيج، بطريقة جيّدة؟ وما كان تأثير حرارة الحريق الذي تعرَّض له الكفن، العام 1532، على كميّة الكاربون 14 في النسيج؟ ولماذا لم تؤخذ العيّنات من أماكن مختلفة من الكفن، بدل أن تؤخذ كلّها من مكان واحد مشكوك بأمره؟ أوَ لم يكن من الأفضل توكيل الفحوصات إلى عدد أكبر من المختبرات؟ وإذا كانت النتيجة فعلاً صحيحة، كيف نفسِّر جميع الدراسات العلميّة الأخرى التي سبق ذكرها، بالإضافة إلى الحجج التاريخيّة والكتابيّة الداعمة لصحّة كفن تورينو؟
ظلّ الوضع على حاله، بين أخذٍ وردّ، إلى أن نشر راي روجرز، في المجلّة الأميركيّة المتخصِّصة Thermochimica acta، العدد 425، العام 2005، بحثا حاسمًا، بَرهن فيه أنّ المكوّنات الكيميائيّة للعيّنة التي اقتُطعت من الكفن لإجراء فحص الكاربون 14 عليها، تختلف عن المكوّنات الكيميائيّة لباقي نسيج الكفن، وأنّ عمر النّسيج الأساسيّ يتراوح ما بين 1300 سنة و3000 سنة. فاستنتج المجتمع العلمي أنّ عيّنة الكربون 14 لم تكن جزءًا من الكفن في الاساس، وربّما أُضيفت لاحقًا بطريقة حذقة وغير مرئية! ومع أنّ راي روجرز لم يكن له متَّسع من الوقت لتأكيد هذا الاستنتاج، إذ وافته المنيّة بعد أسابيع معدودة، بسبب معاناته من مرض السرطان، لكنّ دراسته الرصينة، والمشهود لها من المجلّة العالميّة، لاقت تجاوبًا سريعًا من المجتمع العلميّ، وأعادت الأمل إلى مناصريّ صحّة الكفن.

ك- عمليّة الترميم في العام 2002 Restauration de l'an deux mille deux

© Arcidiocesi Di Torino
طالما تداول أعضاء اللجنة الأبرشيّة للمحافظة على الكفن في إمكانيّة القيام بترميم الكفن، إلى أن قَرَّروا المباشرة بالعمليّة، بعد حصولهم على الإذن من كرسيّ روما الرسولي. بدأت عمليّة الترميم في 20 حزيران العام 2002، تحت إشراف الكردينال سِفيرينو پوليتو Severino Poletto ، رئيس أساقفة تورينو، ورئيس اللجنة، وامتدَّت حتّى 23 تموز من العام نفسه، قامت بها إختصاصيّة النسيج السويسريّة ميختيلد فلوري لامبرغ Mechtild Flury Lemberg وتلميذتها الإيطاليّة إيرين تومادي Irene Tomedi ، ومرَّت في ثلاث مراحل:

* المرحلة الأولى، من 20 حزيران لغاية 25 منه، تَمَّت فيها إزالة "البطانة" المعروفة بـ "نسيج هولنده" Holland cloth مع الرقع التي وضعتها الراهبات الكلاريّات في العام 1534، وشَدّ الكفن بواسطة الأثقال، بغية إزالة طيّات النسيج.

* المرحلة الثانية، من 26 حزيران لغاية 15 تموز، حيث أفسحت الخياطتان المجال أمام المصورين الاختصاصيين، الذين قاموا بتصوير الكفن، من الجهة الأماميّة والجهة الخلفيّة، بواسطة الكاميرا التقليديّة، والكاميرا الرقميّة digital camera ، والسكانير، والمنظار الطَيفي spectrophotometer .

* المرحلة الثالثة، من 16 تموز لغاية 23 تموز، تَمّ فيها خياطة "بطانة" جديدة، وتصوير الكفن في حلّته الجديدة.

أثناء معاينة الجهة الخلفيّة للنسيج، كشف المرمِّمون وجود آثار باهتة لكامل الجسم ، لم تكن معروفة في السابق – إذ كان الاعتقاد أنّ آثار الجسم موجودة فقط على الجهة الأمامية – أصبحت تشكّل مادة علميّة جديدة للعلماء المعاصرين، يتناولونها بالدراسة والتحليل.


بعد الانتهاء من الترميم، وصدور التقرير الرسمي الذي أعدّه المونسينيور غيبارتي، رئيس اللجنة الأبرشيّة للمحافظة على الكفن، تمّ نشر الصور الجديدة للكفن، فبدا منظره مريحًا للعيان، ما سيفرح حتمًا الحجّاج الذين سيتأملونه أبّان العرض القادم. لكنّ العديد من العلماء، ومن بينهم راي روجرز، انتقدوا بشدّة عمليّة الترميم، مطلقين بحقّها أبشع الصفات، فقالوا إنها "مجزرة" وعمليّة "تدمير"، لأنّه كان يجب على المرمّمين استعمال القفّازات عند ملامستهم سطح النسيج، لتلافي نقل التلوّث من اليدين على النسيج؛ وكان يجب عليهم المحافظة على كلّ الغبار، والخيوط المحروقة و "الفالتة"، والرواسب المختلفة الموجودة على سطح النسيج، للاستعانة بها في فحوصات لاحقة. لكنّ المسؤولون عن عمليّة الترميم أجابوا بأنّهم أودعوا كلّ شيء في حاويات صغيرة مرقمة، لكنّهم اضطروا إلى العمل من دون قفازات، كما هي عادة الخياطين، لتحسّس القماش، فيأتي الترميم على أفضل ما يرام.

ل- حساب الاحتمالات Calcul des Probabilités
أراد بعض العلماء إجراء حساب الاحتمالات لمعرفة احتمال كون الكفن لشخص آخر غير يسوع المسيح، فقاموا بمعاينة مراحل التعذيب التي مرَّ بها رجل الكفن، وقارنوها مع ما يُحتمل أن يكون محكوم غيره قد مَرَّ به: الجَلد القوّي بالمقارنة مع الجَلد الخفيف، وإكليل الشوك الفريد من نوعه، ودقّ المسامير بالمقارنة مع الربط بالحبال، وعدم كسر الساقين كما كانت العادة، وطعنه الحربة مع خروج الدم والماء، واللفّ بالكفن بدل الرمي في الحفرة العموميّة، ومغادرة الكفن دون ترك أيّ أثر لاهتراء الجسم، وغيرها من الأحداث التفصيليّة.
إنّ فرنسيس فايلاس حصل على احتمال 1 على 10 بقوّة 26. أمّا برونو باربيرس Bruno Barberis فحصل على احتمال1 على225 مليار. أمّا كينيت ستيفنسون Kenneth Stevenson، الناطق الرسمي باسم الستارب، فتوصّل إلى احتمال 1 على 83 مليون، وهو أكبر نتيجة بالإمكان الحصول عليها.
تُشير جميع هذه الحسابات إلى أنّه من المستحيل، عمليًّا، أن يكون كفن تورينو يخصّ شخص آخر غير يسوع المسيح.


ماذا يقول الإنجيل

في ما العلماء يدرسون الكفن، لاحظوا أنّ الآثار التي على القماش تطابق ما قيل في روايات الآلام الواردة في الأناجيل الأربعة، ما يجعل من الكفن "إنجيلاً خامسًا" مرئيًا يُظهر ما يقرأه الناس في الرواية المكتوبة. وهذا التطابق يزيد من إمكانيّة أن يكون كفن تورينو هو كفن يسوع، وليس كفن أيّ إنسانٍ آخر.
أ – الضربات واللطمات

"وأخذ بعضهم يبصقون عليه، ويقنّعون وجهه ويلطمونه ويقولون: تَنبَّأ! وانهال الخدم عليه باللطم" (مرقس 65:14).
جرى هذا ليلة القبض على يسوع، لَمَّا سيق إلى السنهدرين للمحاكمة، في حضرة قيافا، عظيم الأحبار، والكتبة والشيوخ، حيث سُجن حتّى الفجر، وقاسى شتى أنواع العذابات. هنا تمّ نتف اللحية، وذلك واضح على الوجه، إذ تبدو اللحية بشكل رقم ثمانية أي منتوفة في الوسط. وهنا لطمه على وجهه أحد حرّاس عظيم الأحبار، مسبِّبًا له تورمًا في الخدّ، ورضوضًا في الأنف (يوحنا 22:18)، ازدادت في اليوم التالي، على أثر تعرّضه لسخرية الجنود الرومان، وأثناء مسيرته الشاقّة نحو الجلجلة، بحيث طالت الوجنة اليمنى، والشفة العليا، والفكّ، والحاجب الأيسر. إنّ آثار هذه اللطمات بادية على الكفن.

ب – الجَلْد الروماني flagellatio

"فأخذ بيلاطس يسوع وجَلَدَه" (يوحنا 1:19).
إنّ آثار الجَلد ظاهرة بصورة جليّة على الجهة الخلفيّة ابتداءً من الظهر وحتى القدمين، وهي متمثلة ببقع الدم الغامقة اللون، والمنتشرة على طول الجسم. أمّا آثار الجَلد من الأمام فهي ضئيلة جدًّا لأنَّ الشخص كان يقف عريانًا، ومربوطًا إلى عمود، ووجهه تجاهه، وكان الجلاّد، الواقف وراءه، يتجنَّب توجيه ضرباته لناحية القلب، لئلاّ يموت، إذ كان المطلوب معاقبة يسوع ثمّ إطلاق سراحه (لوقا 16:23)، ولم تكن نيّة بيلاطس، في البدء، تسليمه ليُصلَب.
من المؤكَّد أن عمليّة الجَلد قام بها الجنود الرومان، لا اليهود، وذلك بسبب تطابق آثار الجَلد في صورة الكفن مع وسيلة الجَلد الرومانية المسمّاة فلاغروم flagrum، نجد نماذج عنها في المتاحف، وهي عبارة عن مقبض ينتهي بثلاثة أطراف من الجِلد، في رأس كلّ طرف قطعة من عظام أرجل الغنم، أو كُرَتان متلاصقتان من الرصاص.
كان الجَلد ينتزع قطعًا من اللحم عن الجسم، ويسبِّب جروحات بليغة، وكدمات موجعة. قام الاختصاصيّون بتعداد آثار الجَلد على الجسم، وأجمعوا أنّها حوالي الماية والعشرين أثرًا. إذا قسمناها على ثلاثة، كَون كلّ جلدة تحدث ثلاث خطوط، يتبيَّن لنا أن عدد الجلدات حوالي الأربعين. يبدو أنّ العسكر الرومانيّ راعى الشريعة اليهوديّة التي تأمر بالجَلد أربعين مرّة فقط وليس أكثر (سفر تثنية الاشتراع 3:25).



ج – إكليل الشوك

"وضفروا إكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه، وجعلوا في يمينه قصبة" (متى 29:27).
إنّ الشوك المغروز في الرأس تسبَّب بجروحات بليغة، ونزيفٍ قويّ، آثاره واضحة على الكفن من جهة الرأس، خصوصًا من الناحية الخلفيّة، وعلى طول الشعر. وهذا يتوافق مع حركة المصلوب الذي غالبًا ما يَضرب رأسه بخشبة الصليب، فيغرز الشوك في الرأس، مسبِّبًاًَ ألمًا مبرحًا.
لم يكن إكليل الشوك من العذابات التقليديّة التي يتلقّاها المحكوم عليه بالصلب، إذ لم يذكر التاريخ حالة مماثلة، كما أنّه لم يوضع على رأس اللّصين. أمّا يسوع، فقد جعلوا على رأسه إكليل الشوك بدل التاج الذهبي ليسخروا منه، إذ قال أنّه ملك اليهود.
إنّ سيلانات الدم، والجروح البادية على الرأس، من الأمام ومن الوراء، كما نراها على الكفن، تحملنا على استبعاد فكرة وجود إكليل couronne من الشوك، كما تُصوِّره لنا الإيقونوغرافيا التقليديّة، على مثال تيجان الملوك في الغرب، بل بالأحرى، إنّه "عرقيّة" tiare من الشوك، على مثال تيجان ملوك الشرق، وقد شُدَّت أطرافه حول الرأس برباط.
ما هو جنس الشوك الذي وُضع على رأس المسيح؟ نستبعد كلّيًّا أن يكون من نبات القندول، ذات الزهرة الصفراء، كما يقول بعض اللبنانيين؛ أو من الزيزفون، نسبة إلى التقليد الذي يقول أنّ شجرة الزيزفون ملعونة، لأنّها تُزهر من دون أن تعطي ثمرًا، إذ استُعمل شوكها لتكليل المسيح. لقد صُنع الإكليل من أغصان شجر العنّاب البرّي Ziziphus Spina Christi ذات الأشواك الحادّة التي باستطاعتها اختراق الرأس، وبخاصّة، إذا "أخذوا القصبة وجعلوا يضربونه بها على رأسه" (متى 30:27). ومنهم مَن يقول بأنّه صُنع من شجيرات البلاّن Sarcopoterium Spinosum أو الكبّاد أو العكّوب Gundelia Tournefortii. وقد استعان الجنود الرومان ببعض الأغصان من قصب الخيزران، ليضبطوا الشوك على الرأس.
تحتفظ كاتدرائيّة نوتردام، في باريس، بما تَبقّى من إكليل الشوك، أي قصب الخيزران فقط، بعد أن وُزِّعت الأشواك بمثابة ذخائر، لا نعرف بالضبط، أين حطّت رحالها. يُعرض الإكليل للجمهور، أثناء زمن الصّوم الكبير. من المعروف أنّ ملك فرنسا، القدّيس لويس التاسع (1214-1270) هو الذي اشترى الإكليل، من القسطنطينيّة، بملغ كبير جدًّا، بلغ 135 ألف ليرة، وشَيّد كنيسة خاصّة، دُعيت لاسانت شابيل La Sainte Chapelle ليحفظه فيها، كَلَّف بناؤها 40 ألف ليرة فقط، وهو مبلغ زهيد، بالنسبة إلى ثمن الإكليل. وقد تَسلَّم الملك المذكور الإكليل، في 10آب 1239، وحَمَلَه في مسيرة طويلة، وهو حافي القدمين، لابسًا قميصًا بسيطًا، وخالعًا تاجه عن رأسه.

د – وضع الصليب على المحكوم عليه

"أَلبَسوه ثيابه وساقوه ليُصلَب" (متى 31:27).
كانت العادة أنْ توضع خشبة على المحكوم عليه، وينطلق بها مُساقًا من مقرّ المحكمة إلى مكان الصلب الذي يقع خارج أسوار المدينة. وكان الصليب يتألّف من خشبتين: الأولى عموديّة وتسمى Stipes، والأخرى أفقيّة وتسمى patibulum. فالعموديّة كانت تُثبَّت في مكان الصَلْب، مغروزةً في الأرض، وطرفها الأعلى، المشغول بشكل "خابور"، مجهَّز لكي يخترق وسط الخشبة الأفقيّة التي يحملها المحكوم عليه، عند وصوله إلى المكان المذكور. ويبدو أنّ هذه هي الطريقة الأكثر شيوعًا، والأقرب إلى المنطق والواقع التاريخي، بالاستناد إلى الحجج التالية:
- إنّ أمر الصلب الذي كان يلفظه القاضي الروماني، في المحكمة، يقوله كما يلي: Pone crucem servo أي "ضَع الصليب على العبد" ولا يقول مثلاً: "فليحمل العبد صليبه" أو "ضَع العبد على الصليب".
- إنّ حمل الخشبة الأفقيّة وحدها، وقد يبلغ وزنها حوالي الخمسة والعشرين كيلوغرامًا، لهو أسهل بكثير، من حمل الصليب بكامله، الذي قد يبلغ وزنه حوالي الماية كيلوغرامًا، مما يزيد من إمكانيّة استحالة حمله لمسافة طويلة، من قِبَل أي رجل، مهما كان قويًًّا.
- إنّ عمليّة تحضير صليب كامل تتطلَّب وقتًا طويلاً، وكلفة أكبر. فتوفيرًا للوقت والمصروف، وفي حال وجود عدّة محكومين بالموت صلبًا، يُعتَبر منطقيًا بقاء الخشبة العموديّة ثابتة في مكانها، وإعداد الخشبة الأفقيّة وحسب، في كل عمليّة صلب.
إنّ رجل الكفن قد وُضعت عليه خشبة الصليب الأفقيّة، وهناك آثار على الكتفين، في مستوى "عظم الرفش" تؤكِّد أنّ حِملاً ثقيلاً ضغط عليهما.




هـ - الصَلب ودقّ المسامير

المصلوب بريشة أنطون ڤان دايك (1599-1641)
"فصلبوه ثمّ اقتسموا ثيابه" (متى 35:27)
"إذا لم أُبصر أثر المسمارين في يديه، وأضع إصبعي في مكان المسمارين، ويدي في جنبه، لن أومن" (يوحنا 25:20).
لم يكن الصلب شائعًا عند اليهود، إذ كانوا يلجأون إلى الرجم، أو إلى تعليق الشخص على شجرة، بعد الفراغ من قتله. أمّا الرومان فقد مارسوه بامتياز، على اللصوص والعبيد والخونة والقراصنة والثّوار. كانت الألسن تتداول أخبار المصلوبين، وتناولها المؤرِّخون الرومان في أعمالهم، والأدباء في مسرحيّاتهم، أمثال شَيشرون (106 – 43 ق.م.) الذي هاله شناعة الصليب وفظاعته ، فكتب:
"لو هدَّدونا بالموت، فلنمت أحرارًا على الأقلّ. أجل، فليبتعد الجلاّد والحِجاب على الرأس وحتّى ذِكرُ الصليب، لا عن الرومانيين وحسب، بل عن أفكارهم وعيونهم وآذانهم".
لذلك، مُنع تنفيذ الصلب على المواطنين الرومان: لم يُصلب مار بولس بل قُطع رأسه، أمّا مار بطرس الجليليّ فقد صُلب ورأسه إلى الأسفل.
غالبًا ما كان يتمّ الصلب بدقّ المسامير في اليدين والرجلين. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ المكان الصحيح للمسمار هو في الرسغ، لا في راحة الكف، فيتسنّى لعظام الرسغ من حمل ثقل جسم المصلوب، ما لا يمكن راحة الكفّ أن تقوم به.
أمّا بالنسبة إلى الرِجلين، فإنّنا نرى أنّه من الصعب جدًّا دقّ مسمار واحد في المكان المناسب، في القدمين معًا. لذلك نرجِّح أن يكون الجلاّد استعمل مسمارين، واحدًا في كلّ قدم، وهذا أمتن، من الناحية العمليّة، ويؤكّده الأطبّاء الاختصاصيّون.
لكنّ آباء الكنيسة اختلفوا في تحديد عدد المسامير: فقبريانُس (†258) وأومبروسيوس (†397) وغريغوريوس من تور (†594) يتكلّمون عن أربعة مسامير؛ فيما يذكر غريغوريوس النازيانزيّ (†390) وبونافنتورا (†1274) ثلاثة مسامير فقط! ومع ذلك، فالعديد من الأيقونات القديمة يُظهر يسوع المصلوب مع مسمارٍ في كلّ قدم: منمنمة إنجيل ربّولا (586) وصليب داميان ذات التأثير السريانيّ (القرن الثاني عشر).
من الواضح أنّ رجل الكفن هو مصلوب، وآثار المسامير بادية على اليدين والرجلين.

و – طعنة الحربة وكسر الساقين

"أمّا يسوع فلمّا وصلوا إليه ورأوه قد مات، لم يكسِروا ساقيه، لكنّ واحدًا من الجنود طعنه بحربة في جنبه، فخرج لوقته دمٌ وماء" (يوحنا 33:19 - 34).
إنّ رجل الكفن مطعون في جنبه الأيمن حيث الجرح المفتوح، والدم السائل منه، وهو لم تُكسر ساقاه لأننا نراها كاملة ومستقيمة، من دون أيّ تشويه. إنّ عمليّة كسر الساقين إجراءٌ عاديٌّ ونهائيٌّ يقوم به الجنود مع جميع المصلوبين. وقد ارتأوا ألاّ يكسروا ساقي يسوع لغاية في نفسهم، وبعدما رأوا أنّ لا لزوم لذلك، خاصة أنّ الوقت قد دهمهم، واستولى الخوف عليهم، نتيجة ثورة الطبيعة والرعود وهطول الأمطار؟ ثمّ إنّ الجنود استعجلوا العودة إلى المدينة المزدحمة بزوار الفصح، لحفظ الأمن، خوفًا من بروز مظاهر شغب، بين الشّعب، بسبب القيام بعمليّة الصلب، ومراعاة لحرمة "السبت" القاضية بعدم التجوّل، بعد هبوط الظّلام.
لكنّ طعنة الحربة هي من الأعمال الواجبة، ينفِّذها المسؤول عن الصلب، عند الفراغ من المهمّة الموكولة إليه وإلى أفراد فرقته، حين يشارفون على مغادرة الجلجلة، وذلك للتأكّد من أن المصلوب قد مات. وما من شكّ أنّ الطعنة طالت اللصين، أيضًا، ولو لم يَذكر الإنجيليون ذلك. كانت الطعنة مدروسة من قِبَل الجنود الرومان. فلكي تصيب القلب مباشرة، كانت تدخل من الجهة اليمنى، بين الضلعين الخامس والسادس، فتصيب الأُذين الأيمن حيث يتجمَّع الدم بعد الموت. إنّ الدم المتدفِّق من الجرح هو العلامة على الإصابة. ومن الواضح على الكفن أنّ الطعنة حصلت بعد الموت، نظرًا لكبر الجرح، إذ أنّ الجِلد، بعد الموت، لا يتقلَّص، ولا يلتحم.



ماذا تقول الكنيسة

ليس للكنيسة موقفٌ صارم من كفن تورينو وألغازه. فهي لم تؤكِّد ولم تنفِ أن يكون هذا الكفن قد لَفَّ فعلاً جسد يسوع المسيح. إنّها منفتحة على جميع النظريّات، ولا تخاف من الأبحاث العلميّة، وتترك للعِلم أن "يحكم" على العِلم. ولكن، لا الكنيسة ولا العِلم باستطاعتهما تقديم البرهان القاطع:
- لا الكنيسة، لأنّ الإيمان هو فعل حرّ لا يُفرَض على الإنسان من خلال براهين علميّة؛
- ولا العِلم، لأنّ المنطق العلمي يحتاج إلى الاختبار للتوصّل إلى البرهان، وهذا الاختبار – أي تعذيب شخص ما مثل المسيح، وصلبه، وموته، ولفّه بكفن من الكتّان، وقيامته من بين الأموات، وتركه آثار آلامه على النسيج – هو خارج عن النطاق العلمي.

على الرغم من عدم اتّخاذ الكنيسة موقفًا رسميًّا عقائديًّا إيجابيّا من كفن تورينو، فذلك لم يمنع الكثير من القدّيسين والبابوات من تكريمه. وقد تكلَّمنا سابقًا عن ما قام به القدّيس شارل بوروميه، والقدّيس فرنسيس دي سال. نضيف عليهما قصّة القدّيسة تيريزيا الطفل يسوع والوجه المقدَّس التي قالت لأختها سيلين، قبيل انتقالها إلى السماء: "إنّ أوّل شيء سأطلبه من يسوع عندما أَصِل إليه هو كشف وجهه للعالم". وهكذا صار، إذ في الوقت الذي انتقلت فيه تيريزيا من هذا العالم إلى الحياة الأبديّة، حصل المصوِّر سِكُندوبيّا على الإذن للقيام بمهمّته التصويريّة، فاستطاع، بعد بضعة أشهر، إظهار وجه المسيح للعالم، فتحقَّق طلب القدّيسة تيريزيا.
أمّا البابوات فما برح العديد منهم، منذ القرون الأولى وحتّى أيّامنا هذه، يكرِّمون الكفن: فغريغوريوس الكبير (540-590-604) كان يوجِّه صلاته دومًا إلى الوجه المقدّس؛ وسرجيوس الرابع (...-1009-1012) شَيَّد، في روما، كنيسة الكفن المقدس؛ ويوحنا الثاني والعشرين (1245-1316 - 1334) كتب، العام 1334، نشيدًا للكفن المقدّس؛ ويوليوس الثاني (1443-1503-1513) أَعلن، العام 1506، أنّ الرابع من أيار هو عيد للكفن المقدّس، ووافق على رتبة وقدّاس خاصَّين بالمناسبة؛ أمّا بيّوس السابع (1742-1800-1823) فقصد تورينو قبل روما، بعد رجوعه من النفي في فرنسا، وركع أمام الكفن المقدّس؛ وبيّوس الحادي عشر (1857-1922- 1939) كان يعطي زوّاره صورة وجه الكفن "أجمل وأغلى ما يستطيع المرء تصوّره"؛ وبولس السادس (1897-1963-1978)، في أثناء تقديم العرض المتلفز سنة 1973، قال: "بينما نحن مجتمعون حول ذخيرة ثمينة، نشعر فينا بنمّو انجذاب غريب لشخص سيّدنا يسوع المسيح"؛ أمّا يوحنا بولس الثاني (1920-1978-2005) فقد كتب في السّجل الرّسمي، إبَّان زيارته لِكَفن تورينو، ما يلي: "إنّ هذا الشرشف لهو حقًّا علامة فريدة وإلهيّة لعصرنا، على وجود يسوع فيما بيننا"؛ وأثناء حبريتّه الطويلة زار تورينو مرّات عديدة، ورَحل من هذه الدّنيا دون التوصّل إلى تحقيق أُمنيته الغالية في أن يلتقي ألكسي الثاني، بطريرك موسكو، تحت أقدام الكفن المقدّس في تورينو.

أمّا البابا بنديكتس السادس عشر، فله ملاحظات إيجابيّة عن كفن تورينو، وذلك قبل انتخابه إلى السدّة البابويّة.

في خطابه إلى المؤتمر الذي دعت إليه حركة "اتحاد وتحرّر" المنعقد في مدينة ريميني Rimini الإيطاليّة، في شهر آب العام 2002، يقول الكردينال راتزينغر، رئيس مجمع العقيدة والإيمان، ما يلي: "...الذي هو الجمال بذاته، ترك ذاته كي يبصقوا في وجهه، ويلطموه، ويكلّلوه بالشوك... يمكننا أن نتخيّل ما جرى له، لكنّ كفن تورينو يساعدنا على رؤية ما حصل بشكل واقعي".
وفي التأملات التي أعدّها لدرب الصليب الذي أقيم في الكولوسّيو - روما يوم الجمعة العظيمة العام 2005، وترأسه البابا يوحنا بولس الثاني، كتب في المرحلة الحادية عشرة ما يلي: "يسوع مسمّر على الصليب... إنّ كفن تورينو يكوّن لدينا فكرة عن بربريّة هذا الأسلوب غير المعقولة".
وما أن انتخب بابا على الكنيسة الكاثوليكيّة، تحت اسم بنديكتس السادس عشر، حتّى سمح بإجراء العرض العلني للكفن الذي أقيم في تورينو، في أيار 2010، وقد حجّ إليها البابا، وأمضى فيها يومًا كاملاً، زار فيه الكفن المعروض، واحتفل بالذبيحة الإلهيّة مع الشبيبة في ساحة المدينة، وزار مأوى العجزة والفقراء، وقد أعددنا تقريرًا مفصلاً عن هذه الزيارة.

وها هو يتكلّم عن الكفن مرّة أخرى، في الجزء الثاني من كتابه "يسوع الناصري" حيث يقول:
"فيما الإزائيّون يتكلّمون عن قطعة من كتّان، بالمفرد، يتكلّم يوحنا عن لفائف من كتّان، بالجمع (راجع يوحنا 19 : 40)... إنّ مسألة المطابقة بين هاتين الروايتين، من جهة، وكفن تورينو، من جهة أخرى، لا لزوم للتوقّف عندها، لأنّ شكل هذه الذخيرة يمكنه، بالمبدأ، التناغم مع هاتين الروايتين".
نلفت النظر إلى قول البابا عن الكفن، وللمرّة الأولى، بأنّه "ذخيرة"، ما يعطي قيمة معنويّة كبيرة له.
في السياق ذاته، قام المونسينيور جيوسيبي غيبارتي، رئيس اللجنة الأبرشيّة للمحافظة على الكفن، بالتعليق على هذا الأمر، وتقرأون ملاحظته في الرباط التالي: ملاحظة المونسينيور جيوسيبي غيبارتي.

على كلّ حال، ماذا يحصل لو برهن العلماء، بالمنطق والحجج الدامغة، أنّ كفن تورينو لم يلفّ جسد يسوع المسيح؟ هل يجحد المسيحيّون الذين علَّقوا إيمانهم بصحّة الكفن؟ كلا. فلنتذكّر قول الربّ يسوع لتوما: "طوبى للّذين آمنوا ولم يروا". والإيمان في الحقيقة، هو بشخص يسوع المسيح الحيّ، لا بالكفن أو بأيّ ذخيرة أخرى.
لكن للكفن أهمّية كبرى، لأنه يحوي أيقونة المسيح المتألِّم، ويُبرز آثار الجَلد وإكليل الشّوك و مسامير اليدين والرِجلين وطعنة الحربة. وقد حُفظ الكفن، بما عليه من الآثار، بطريقة غير مفهومة حتى الآن، ليبقى علامة لموت المسيح، وقيامته من بين الأموات.



0 التعليقات:

إرسال تعليق

سلام ونعمه

يتم التشغيل بواسطة Blogger.